استعصاء البيروقراطية كامن في الرؤوس أولاً وتالياً، بمعنى ان لا عقبة اسمها البيروقراطية... الأخيرة هي أقرب لصعود «طعس» رملي يحتاج إلى بعض الجهد، يحولها من يحملها في رأسه إلى قمة «أفرست». من وجهة أخرى، الأنظمة واللوائح مهما بلغت من التضييق والتعقيد لا تشكل عائقاً يذكر في مقابل ضخامة «العقد» التي يعاني منها من يطبقها، فهو من يملك حق تفسيرها ولك... الباب. وفي حين يجب على الموظف أو الخادم - بحسب بعض المسؤولين الكرام - أن يكون شبيهاً برجل المرور العصري، يسمح للمركبات الصالحة وحتى تلك التي يظهر أنها صالحة... بالمرور، ويوجهها موفراً الفرصة للجميع وفق نظام عادل، ولا يتردد في إرشاد التائه، يتحول الموظف البيروقراطي إلى حارس مرمى كرة قدم، الأصل لديه عدم المرور، واجبه المتفاني في أدائه هو رد وصد كل الكور - المعاملات... الطلبات - بكل وسيلة ممكنة، برأسه أو رجله أو يده، أو «ليصرها» في حضنه موقتاً ليقذف بها عالياً هناك «راجعنا بكره... هات خطاب من الجهة الفلانية»، الأصل لديه المنع والصد، فإذا اجتمع عدد لا بأس به من تلك الرؤوس البيروقراطية في دائرة واحدة، تتحول الخدمة التي اشرعت لها الأبواب وقصت لأجلها الأشرطة الملونة... إلى مباراة في كرة القدم... الفرق أن الحكم هنا هو الخصم. وتلجأ بعض الجهات الخدمية إلى فتح فروع لها للتيسير على الناس وقضاء مصالحهم، بدلاً من مشاق السفر والتوجه لمراكزها الرئيسية، وهو الأمر الطبيعي المطلوب، لكن ما يظهر هنا أنه حل وانفراج إذا ابتلي برأس من تلك الرؤوس يتحول إلى سد منيع له ثمن مزعج، فمن المميزات القليلة للمدن الكبيرة أن غالبية الناس لا يعرفون بعضهم البعض، فلولا الاكتظاظ والازدحام... وندرة مواقف المركبات، لكانت المكان الأنسب لتيسير الخدمات... الإمكانات أكبر والموظفون أكثر عدداً، بالطبع ان هذا ولد ذاك، لكن في المدن الصغيرة والمحافظات يتحول الرأس البيروقراطي إلى «مشفوح»... يعمل وفق قاعدة المثل الشعبي: «كلنا عيال قرية»، ليمارس هنا شفاحة أو عقد... وحسد إن شئت، أو ليرمي سنارة طلبات كريهة الرائحة، مثل قولهم: «ما شفنا منكم شي»! ولو قدر لمقر رئيسي في جهة حكومية أن يفعل استبياناً لمراجعيه من مناطق أخرى لمعرفة الأسباب التي جعلتهم يتكبدون الحجز على الخطوط - هذا لوحده يكفي! - لربما كشفت واقع منافذ وضعت لفك الاختناق، لكن تم الاستيلاء عليها في وضح النهار. www.asuwayed.com