تتخذ أسراب الطيور المهاجرة أراضي المملكة محطة لراحتها، تتزود خلالها بالطعام، وتستجمع قواها لتستكمل رحلتها الطويلة التي تقطع خلالها آلاف الأميال، ويستقر بعضها في أراضيها حتى انتهاء موسم التفريخ. ولسلامتها أهمية بالغة لدى المملكة، باعتبارها النوع الثاني في قائمة الكائنات الحيوانية الحية بعد الأسماك، وكونها أحد المؤشرات البيئية المهمة، الدالة على مدى سلامة النظم البيئية حول العالم. وتصل أصناف الطيور المهاجرة إلى نحو 8 آلاف و600 نوع، انحصرت هجرة بعضها في الهرب من برودة الشمال وقلة الغذاء، والصراع من أجل البقاء. ففي أواخر الصيف من كل عام، تسافر بلايين الطيور المستقرّة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية لإتمام هجرتها الموسمية العابرة للقارات، وعلى رغم ذلك لا يعود ثلث الطيور من الرحلة، بسبب الجوع أو الظروف المناخية أو تحوّل الطيور المهاجرة نفسها لمواد أولية تتغذى عليها كائنات أخرى، أكثر قوة وأشد قدرة على الافتراس، وبينها الإنسان. ونظراً الى أن الرحلة تتطلب مجهوداً كبيراً واستهلاك كمية ضخمة من الطاقة، تتزود الطيور بالدهون التي تعتبر أضخم خزان طبيعي للطاقة، قبل انطلاق رحلاتها لمسافة تستمر نحو 11 ألفاً و500 كيلومتر، قاطعة العالم العربي الذي يشكل ممراً إلى أفريقيا الدافئة شتاء. وتعد المملكة معبراً للآلاف من الطيور خلال موسم هجرتها بين القارات الثلاث: أوروبا وآسيا وأفريقيا، وفق ما أوضح الباحث في علم الطيور عبدالله السحيباني في آب (أغسطس) العام الماضي ل«الحياة». فجزيرة «جنا» التي تبعد 45 كيلومتراً من مدينة الجبيل، تقع في عمق الخليج العربي، الذي يضم نحو 150 جزيرة سعودية، من أصل 1285 جزيرة سعودية، تتوزع غالبيتها في البحر الأحمر وخليج العقبة، وتمتاز بيئتها البحرية بالثروة السمكية ونقاء الأجواء، وبُعدها من مناطق التلوث، وتعد أيضا ممراً للطيور المهاجرة من المناطق الباردة شمال الكرة الأرضية إلى المناطق الأكثر دفئاً في الجنوب، إضافة الى ملايين الطيور المختلفة الأشكال والألوان والأنواع التي تمر في المملكة وتستقر فيها خلال فصل الشتاء. وعلى رغم احتوائها نحو 20 ألف طائر، إلا أن «الخرشنة» تعد الأكثر انتشاراً في «جنا»، وهي أربعة أنواع: الخطافية، المتوجة الصغيرة، المقنعة، وبيضاء الخد. وتستقر هذه الطيور بشمل موقت في الجزيرة للتكاثر ثم تغادرها بعدما تخرج فروخها من البيض خلال 28 يوماً، ومن ثم تستطيع الطيران مع بقية الأسراب في غضون ثلاثة أشهر. ولطيور الخرشنة أسلوب غريب، يتمثل في رفضها وجود أي طائر آخر على الجزيرة طيلة فترة مكوثها عليها، إذ تحرس أربعة منها جميع اتجاهات الجزيرة، مصدرة «نداءات إغاثة»، حينما يحاول أحد الطيور دخول الجزيرة، مثل «الغاق السوقطري»، إضافة إلى الطيور «الوروار الأوروبي» النادر و«الصرد» والوقواق النادر بأنواعه: «الناسك» و«الباشق الكستنائي» و«الراهب»، وتم أيضا رصد أكثر من 70 نوعاً من الطيور في منطقة جازان، إضافة إلى 50 في عسير. وأطلقت الهيئة السعودية للحفاظ على الحياة الفطرية وإنمائها، شعار «مجابهة الصيد والإتجار غير النظامي»، من أجل حماية الطيور المهاجرة، أثناء مشاركتها في احتفال «اليوم العالمي للطيور» في العاشر من أيار (مايو) الماضي، وتنفيذ نشاطات توعوية تهدف الى حماية الطيور المهاجرة والمواطن التي تعيش فيها. ويرعى هذه المناسبة اتفاقان دوليان، هما «حفظ أنواع الحيوانات الفطرية المهاجرة» و«صون الطيور المائية المهاجرة الأفريقية الأوروبية الآسيوية» وبإشراف برنامج الأممالمتحدة للبيئة، للتوعية بأهميتها والعمل على حمايتها ومواجهة المشكلات التي تهدد بقاءها، أو انقراضها وحماية المواطن الطبيعية التي ترتادها الطيور المهاجرة على مسار هجرتها، أو المواقع التي تمضي فترة الشتاء بها. ولكون المملكة عضواً في معاهدة الحفاظ على الأنواع المهاجرة من الحيوانات الفطرية، وعضواً في اتفاق التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض من مجموعة الحيوان والنباتات الفطرية، وعضواً في اتفاق التنوع الأحيائي، فإن لديها مسؤولية دولية في حماية الطيور المهاجرة، والحفاظ على التنوع الأحيائي لأجل استمرار هواية الصيد للأجيال الحاضرة والمقبلة. وتسعى أيضا إلى الالتزام في أنظمة وتشريعات الحفاظ عليها، وفي مقدمها نظام صيد الحيوانات والطيور البرية والمناطق المحمية للحياة الفطرية والإتجار في الكائنات الفطرية المهددة بالانقراض ومنتجاتها، وتجنب النشاطات البشرية التي تؤدي الى تدمير البيئات الطبيعية، والصيد الجائر للطيور المهاجرة، وأخطارها الصحية بعدما اكتُشف مرض إنفلونزا الطيور المعدي للبشر في العام 1997، وأطلقت منظمة الصحة العالمية تحذيرات من خطر انتقاله إلى البشر. وعلى رغم التحذيرات الطبيّة المتواصلة والمخاوف من خطورة الطيور المهاجرة التي بثها الإعلام ووزارة الصحة عن انتشار مرض إنفلونزا الطيور، إلا أن هواة الصيد غير عابئين بذلك، متجاهلين الأخطار الناجمة عن صيدها وأكلها.