أخيراً، عاد منصور (47 سنة) الى المنزل بعد أن أمضى بضعة أيام في مقر الجريدة التي يعمل فيها، متخذاً منه سكناً موقتاً الى أن سوي الخلاف بينه وبين زوجته. يمثل منصور حالة نادرة وحديثة الظهور. فالشائع في اليمن أن تغادر الزوجة المنزل، وقد تُمنع من ذلك حتى لو تعرضت للضرب. وتتردد حكايات عن حوادث ضرب أزواج زوجاتهم وإغلاق المنازل عليهن. وثمة من يمنع زوجته من الاتصال بأهلها. غير أن هذا لا يعني عدم وجود زوجات يتمتعن بسطوة وقوة تجعلانهن طارِدات لا مطرودات، خصوصاً إذا كان الزوج غير تقليدي، أو ذا طباع رقيقة غير ميال الى العنف والشجار، ولا يطيق البقاء تحت مظلة «الدوشة» (تعبير يطلق على الزوجة الضاجة المفتعلة للشجار لأدنى الأسباب). ويبدو أن حالات ترك الزوج للمنزل قد تقف وراءها أحياناً أسباب اقتصادية، فالزوجات الموظفات أو اللاتي ينفقن في شكل كلي أو يساهمن بجزء كبير من موازنة الأسرة هن أكثر استعداداً للتصدي لأزاوجهن، خصوصاً إذا جاءت تصرفاتهم من تلك التي تزعج بعض النساء مثل العودة الى المنزل في وقت متأخر، أو تناول مشروبات روحية. وهناك من ترفض فتح الباب لزوجها، خصوصاً إذا ما تكرر منه مثل سلوك مماثل. وتعمل الثقافة السائدة على تعزيز الميول العنيفة عند الرجال وترسم للزوج صورة مهيمنة. ويعيب اليمنيون أن يخضع الرجل لاملاءات زوجته، ناهيك بأن يسمح لها بطرده أو منعه من دخول البيت. وما زالت الممارسة القديمة المتمثلة في دوس الزوج على قدم الزوجة ليلة الزفاف، معمولاً بها في مناطق يسود فيها اعتقاد بأن العريس الذي لا يدوس على قدم العروس، سيبقى مطيعاً خاضعاً لها مدى الحياة. وبحسب الاختصاصية الاجتماعية، ابتهال عقلان، فان مغادرة الزوج للمنزل لا تزال حالة حضرية (مدينية) صرفة، بل هي تضيق، كما تقول، لتنحصر في «فئة صغيرة من الأسر، من النوع الذي تحوز فيه الزوجة ثقلاً في القرار، أو يكون الزوج على مستوى من الثقافة، تمثلاً لا تشدقاً، في شكل لا يسمح له بإشعال فتيل أزمة بدعوى محاولة فرض شخصيته». وترى عقلان في انسحاب الزوج من المنزل سواء برغبة ذاتية أو قسراً «حالة إيجابية وإنسانية تنم عن درجة من التحضر وتقدير للآخر»، مؤكدة أن مثل هذا التصرف يصبّ في نهاية المطاف في مصلحة تماسك الأسرة، خصوصاً لجهة السلامة النفسية للأبناء الذين غالباً ما يتضررون جراء شجار الوالدين وعراكهما. وتأخذ عقلان على بعض المتعلمين ازدواجيتهم وارتهانهم لمنظومة القيم التقليدية. وتوضح أن بعض هؤلاء من يكتب ويطنب في الحديث عن المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة. ولكنه في المنزل يعود الى شخصيته الحقيقية ليمارس دور الزوج التقليدي المهيمن الذي يعتبر التنازل للزوجة أو السماح لها بمعاملته بندية، إهانة لكرامته وانتقاصاً من رجولته. وترفض عقلان وصف الزوج الذي يضطر الى ترك المنزل بأنه ضعيف الشخصية، مؤكدة أن العكس هو الصحيح، فميل الزوج الى تعنيف زوجته ينم في العمق عن شخصية هشة وغير سوية. ولا تنكر وجود نساء متعلمات يحبذن أن يكون الزوج مهيمناً وربما قاسياً. وهناك حالات يغادر فيها الزوج المنزل إما بسبب تملك الزوجة للمنزل، أو لأنه متزوج بأكثر من امرأة. وهنا قد يجدها فرصة ليذهب الى بيت الزوجة الثانية، إن لم يكن قد افتعل الشجار لهذا السبب بالذات، أصلاً. وتشكل مساكن الأصدقاء وأحياناً مقار العمل وجهة ملائمة وآمنة يمكن أن يلوذ بها الزوج الفار. بيد أن ذلك لا يسري على جميع الأصدقاء بل يفضل عادة العازبين، وتحديداً من هو على قدر من الوعي بحيث يستطيع تفهم المسألة. ويقول محمد الذي لجأ قبل سنوات الى منزل صديق له، إنه لم يشأ أن يذهب الى أقاربه لأنهم لن يستطيعوا استيعاب أنه «حنق» من زوجته، فهذا أمر معيب بالنسبة إليهم ومن الصعب أن يتمكن من إفهامهم. ويتم تجنب منازل الأصدقاء المتزوجين لأن زوجاتهم سرعان ما يسربّن الخبر. وهذه محاذير تشي بمدى سطوة الثقافة العامة. فلئن تمكن أمثال هؤلاء من اتخاذ قرار مغادرة المنزل، يبقون غير منفكين تماماً من النظرة العامة إليهم ويتحاشونها قدر المستطاع. ويرشح من بعض حالات الخصومة والوفاق تضافر عوامل كثيرة في تأجيجها، أو حلحلتها، ويعتبر الأصدقاء والأهل، وبخاصة الذكور المعروفين بالوقار والرصانة، وسطاء مؤهلين لمثل هذه الأمور. وجرت العادة أن يتم تجنب وساطة الجيران والنساء. كما تبقى الشرطة والجهات الرسمية آخر الخيارات ليس بالنسبة الى الخصومات الزوجية فحسب، بل وعلى مستوى النزاع ما بين القبائل بحسب عدد من الاستطلاعات حول هذا الموضوع.