للمرة الثانية على التوالي يفلح المخرج السوري حاتم علي في تقديم دراما «بدوية» رمضانية غير مألوفة في قصصها وحبكتها وتفاصيلها وصورتها. فبعدما قدم في رمضان قبل الفائت «صراع على الرمال» من خيال وأشعار الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، عاد في رمضان المنصرم وقدم «أبواب الغيم»، الدراما الرمضانية التي صنعت إطاراً جديداً للمسلسلات البدوية «شكلاً ومضموناً»، ما صعّب المهمة على من سيأتون من بعده... خصوصاً لجهة اشتغاله بعناية على التفاصيل. ولعل علي استطاع وبسبب خبرة تمرس عليها في الأعمال البدوية والتاريخية الإفادة من أجواء الصحراء وتقديم رؤية عن الحياة فيها ترقى لمستوى الحياة التي كانت موجودة أصلاً، إذ قدم المسلسل قراءة حديثة لمجتمع شبه الجزيرة العربية قبل أكثر من 200 عام، حينما لفت «أبواب الغيم» النظر إلى علاقات حضارية كانت موجودة في زمن البدو أثناء تطفل الإمبراطورية الإنكليزية على مجتمعات الجزيرة العربية وحضور مباشر للمستعمر العثماني. ولم يسبق لعمل أن كشف النقاب عن الحضور البدوي في تاريخ المنطقة، ولهذا دخل المسلسل منطقة عذراء، عرض من خلالها مشاهد لمجتمعات الجزيرة العربية ولعاداتها وتقاليدها بالإضافة إلى أخلاق البدو والعرب آنذاك ضمن قالب درامي يستمد محتواه من وقائع حقيقية. ويمضي العمل بين زمنين، الأول مطلع عام 1800 حيث كان للأمير الذي عيّنه العثمانيون (ماجد) حضور فاعل في شبه الجزيرة العربية. وكان هذا الأخير معروفاً بغضبه وطيشه وعدم تقديره لمسار الأمور، ما وفّر بيئة سهلة لنشوب أزمات بين القبائل، وهكذا يقتله ابن عمه ويستولي على السلطة، لينقسم العرب بين مؤيد للأمير الجديد ومعارض له، وهو ما جعل الحرب التي شنها العثمانيون لاستعادة هيبتهم في الجزيرة العربية سريعة وخاطفة. مؤلف العمل عدنان عوده يؤكد أنه دخل في تجربة درامية جديدة أثبتت فعاليتها بكتابة المشهد الدرامي وحصوله على الأشعار الخاصة بكل جزء من العمل لحظة بلحظة، وهذا مكنه من بناء نص درامي شعري متين مرتبط ارتباطاً جذرياً بالبيئة البدوية التي يعالجها ضمن منطق إعادة تقديم هذه البيئة تقديماً لائقاً بها كمرحلة تاريخية وزمنية عاشها العرب وحققوا حضوراً مهماً من خلالها. كما تميزت المرحلة التي نفذت في منطقة تدمر السورية بأنها أكملت النسيج الدرامي والفني للعمل ومتنت من تفاصيل القصص التي بدأت في مراكش في المغرب... لكن مرحلة «تدمر» بنيت فيها علاقات درامية وإنسانية بين الشخصيات حيث انتهى تصوير المعارك في المغرب نهائياً واستفاد صناع العمل من المساحات الخضراء الواسعة هناك، وكان أمام حاتم الاستعانة بعدد كبير من الخيام التي صُنعت وفقاً لمنظومة فنية تنتمي إلى الفترة التاريخية للعمل، وثمة ألوان تنتمي للمرحلة التي يعالجها المسلسل، اختارها بعناية المهندس ناصر جليلي بما يعطي إيحاء بالفترة الزمنية للعمل، ولذلك تضاعف عدد العاملين في إنجاز «أبواب الغيم» إلى أكثر من 400 عامل.