تصر أطراف في المعارضة سابقاً ممن يرعى حملات الضغط والتهويل على رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري لدفعه الى تغيير موقفه من المحكمة الدولية على إقحام سورية في الموضوع للتشكيك بنياته في الانفتاح على قيادتها في ضوء قراره الجريء بفتح صفحة جديدة معها وعدم العودة الى الوراء بعد مراجعة نقدية أجراها. ولم تتوقف حملات التشكيك التي بدأت منذ زيارته الأولى لدمشق في 18 كانون الأول (ديسمبر) الماضي على رغم أن الذي يقودها كان يسأل باستمرار كيف أن الحريري يريد أن يرأس الحكومة وهو على علاقة متوترة بدمشق ويرفض التواصل معها. وبدلاً من أن تؤدي زيارته الأولى الى امتناع بعض المعارضين سابقاً عن التشكيك بنيات الحريري، فإن هؤلاء واصلوا حملاتهم مع تعدد زياراته لدمشق وكأنهم يريدون القول، كما تقول مصادر مواكبة، ان لا مصلحة لهم في استقرار العلاقة بينهما باعتباره يحسم من دورهم ونفوذهم جراء لعب القيادة السورية دوراً متوازناً في علاقاتها بالأطراف اللبنانيين. وتؤكد المصادر المواكبة للمسار الذي بلغته علاقة الحريري بدمشق أن الفريق المتضرر من انفتاح الأخير على القيادة السورية يحاول من حين لآخر أن ينوب عن دمشق من خلال إعداده الائحة بالمطالب السورية التي يفترض بالحريري تلبيتها وكان آخرها تعهده بالتبرؤ من قرار يصدر عن المحكمة يتهم مباشرة أو مداورة «حزب الله» بالتورط في مقتل والده. ناهيك بأن هذا الفريق، وبحسب المصادر نفسها، يحاول أن يوحي للرأي العام من حين لآخر بأن القيادة السورية وضعت بتصرفه محاضر تتعلق بالمداولات التي تجري بينها وبين رئيس الحكومة، علماً أن معظمها غير دقيق ومن نسج خيال أصحابه، وهذا ما ينطبق على ما نسب الى دمشق من أنها تطلب من الحريري التعهد بالتبرؤ من أي قرار يصدر عن المحكمة وفيه اتهام ل «حزب الله». وكشفت المصادر عينها أن سورية لم تطرح عليه مثل هذا الطلب ولا هو التزم بأي شيء من هذا القبيل. وسألت عن المصلحة في لجوء هذا الفريق الى اجهاض ما قاله الحريري أخيراً من أن اتهامه لسورية باغتيال والده كان اتهاماً سياسياً خاطئاً وأن شهود الزور ألحقوا الأذى بالعلاقات اللبنانية - السورية، خصوصاً أن جهات أخرى في المعارضة نقلت عن القيادة السورية ارتياحها الى موقفه معتبرة أنه قال كلاماً عربياً كبيراً وأنه أقدم على خطوة سياسية من شأنها أن تدفع باتجاه التأسيس لمرحلة جديدة بينهما. كما سألت المصادر عينها عن السر الذي يكمن وراء انقلاب بعض الأطراف في المعارضة سابقاً على ترحيبهم بكلام الحريري من الاتهام السياسي لسورية وشهود الزور وصولاً الى التخطيط للإيقاع بين رئيس الحكومة والقيادة السورية من خلال ما يسربونه من أنه لا يزال يناور وأنه يلعب لعبة كسب الوقت وأنه لم يغادر موقعه الذي كان فيه طوال فترة الصدام السياسي. ومع أن الحريري اكتفى أمام زواره بالتعليق على هذه التسريبات بتأكيده أن علاقته بسورية خط أحمر وأن كل ما قاله كان عن قناعة، فإن أطرافاً في المعارضة سابقاً نسبوا اليه أنه قال كلاماً مغايراً في حلقة ضيقة جمعته بعدد من مستشاريه الذين استفسروا منه خلفية ما صرح به الى صحيفة «الشرق الأوسط». وفي شأن ما تردد من أنه أخل بموعد كان قطعه على نفسه للادلاء بحديث آخر الى صحيفة «الوطن» السورية، أكدت المصادر المواكبة أن ما صرح به الى صحيفة «الشرق الأوسط» جاء شاملاً ولا تشوبه شائبة تستدعي منه التصحيح، اضافة الى أنه تناول ملف اتهام سورية وشهود الزور بموقف متكامل لا يتطلب منه توضيحاً من هنا أو هناك. لذلك فإن المصادر المواكبة تعتقد بأن الفريق المتضرر من العلاقة المتقدمة للحريري بالقيادة السورية لا يخفي توجسه من التفاهم السوري - السعودي في شأن ترسيخ التهدئة والحفاظ على الاستقرار العام في لبنان الذي أبرزت مفاعيله الايجابية القمة اللبنانية - السورية - السعودية التي استضافتها بيروت. وتعتبر المصادر أن الفريق المتضرر قرر استخدام كل ما لديه من أسلحة اعلامية وسياسية في مواصلة هجومه المنظم على الحريري لعله يبادر الى الانقلاب على انفتاحه على دمشق، لا سيما أن بعض الذين يتزعمون هذه الحملات هم على علاقة وثيقة وتحالفية بسورية. لكن الحريري، كما تقول المصادر، لا يزال يقاوم هذه الحملات بالصبر والصمود لأنه لن يسمح للفريق المتضرر بأن يجره الى ملعبه وبالتالي يدفعه الى المس بعلاقته بسورية على رغم كل ما يشيعه من أنه ينتظر الفرصة الاقليمية والدولية المناسبة للبدء بهجومه المضاد تحت عنوان أن الظروف تبدلت والتغيير آت لا محال للانقلاب على قناعته بخصوص مستقبل علاقته بسورية. وتضيف أن الحريري يتطلع الى المضي قدماً في خريطة الطريق لترسيخ علاقته بدمشق وتفعيل التفاهم معها حول القضايا المشتركة ولن يأبه للذين لن ينفكوا عن إقحام دمشق في معركة تصفية الحساب معه.وترى المصادر أن الحريري ينسج علاقة مع دمشق تختلف كلياً عما كانت عليه قبل عام 2005 أو أثناء حقبة الصدام التي مرت فيها العلاقة بعد اغتيال والده، مشيرة في الوقت نفسه الى أن سورية ليست في وارد التفريط بها خصوصاً أنها تستمد ديمومتها من التفاهم السوري - السعودي ومن إقرار جميع الأطراف، حتى الذين كانوا على اختلاف معها، بدورها في لبنان الذي أعاد لها فتح نوافذها على الغرب وتحديداً دول الاتحاد الأوروبي من دون أن تنقطع عن الحوار مع الولاياتالمتحدة الأميركية. إلا أن كل ذلك لا يحجب الأنظار عن السؤال عن موقف سورية من تصاعد حدة الاشتباك في شأن المحكمة الدولية بين تيار «المستقبل» و «حزب الله» مع أن أحداً، كما يقول الحريري أمام زواره، لا يراهن على فسخ علاقة الأخير بالقيادة السورية. وتعتبر المصادر أن عوامل أخرى، سواء كانت محلية أم خارجية، ستتدخل في هذا الاشتباك السياسي والإعلامي مع تقديرها بأن حدود التدخل من الداخل أخذت تتضاءل بعد انتقال رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط عبر موقفه الأخير من المحكمة من الساحة المخصصة للوسطاء والمحايدين الى مساحة أقرب لمنطق «حزب الله» وهذا ما يضعف من الآمال المعقودة على ايجاد مخارج لانهاء الاشتباك، على رغم أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري لم يغادر موقعه في الساحة الوسطية وهو يراهن على عوامل عربية قاعدتها التفاهم السوري - السعودي يمكن أن تمهد الأجواء لمصلحة دعم جهود الداخل لإنتاج مخرج للأزمة وألا تبقى قوة الدفع اللبنانية غير قادرة على تظهيره الى العلن. وإذ تتوقع المصادر استمرار تبادل الرسائل الساخنة حول المحكمة بين تيار «المستقبل» وحلفائه من جهة و «حزب الله» ومن معه من جهة ثانية، أكدت أن قنوات الاتصال بين الرياضودمشق لم تتوقف وأن الدول العربية محكومة بالتحرك، على الأقل الفرقاء الذين رعوا اتفاق الدوحة بين اللبنانيين.