في منتصف الثمانينات الهجرية بدأ التلفزيون السعودي في بث برامجه، «طبعاً لم أكن وُلِدت حينها»، لكنني قرأت وسمعت عن كيفية وصف تلك المعجزة آنذاك، وكيف تلقفها المجتمع بحال من الانقسام سادت بين مؤيد رحب ومعارض أنكر، واستمر الجهاز المعجزة، الذي كان يقال «تندراً من هوله» أن «العجايز» كن يغطين وجوههن عند تشغيله، منكراً لدى البعض ما لم تشاهد من كانوا ينكرونه إثر تحولهم إلى نجوم موسمية يتنافسون على الشاشة الصغيرة. بعد ذلك تناهى إلى أسماعنا عن جهاز يسجل ما تشاهده في التلفزيون وبإمكانك أن تشاهده مرة أخرى في أي وقت تشاء، المقصود هنا «جهاز الفيديو»، «طبعاً كنت وُلِدت حينها»، وكنت أسمع من يتكلم عن الجهاز وكأنه يتحدث عن سحر، والناس مأخوذون بهذه التقنية التي يملكها «فلان وفلان في المنطقة»، وتوالت بعد ذلك التقنيات والابتكارات التي لا تزال تدهشنا وتوضح مدى تخلفنا. طبعاً لا أقصد هنا «ندب حظنا»، بل أردت الإشارة إلى أننا ما زلنا حتى الآن نرفض كل ما هو جديد، فهذه من ضمن «مبادئنا» التي لا نحيد عنها ونتمسك بها حتى قبل أن نتأكد من ملاءمته، وبخلاف ذلك «يخزي العين»، جميعنا خبراء نطلق آراءنا على أي منتج جديد حتى ولو كنا «لا أذن سمعت ولا عين رأت» ونحلله ونشبعه ردحاً ونصل في النهاية إلى أنه صنيعة الغرب «المجرم» الذي يتآمر علينا، وأن عجزنا عن إثباته توصلنا إلى أنه بدعة. ولعل آخر ما سمعت عنه من بدع هو القرص الحيوي، إذ لفتني خبر نُشر في وسائل الإعلام عن مدير هيئة جازان الدكتور عبدالرحمن المدخلي وهو يتغنى في سقوط مجموعة «من الشباب جاءت الى المنطقة لممارسة ما يُسمى بالتسويق الشبكي الهرمي، وهو نوع من أنواع النصب والاحتيال وأكل أموال الناس بالباطل»، وأضاف مدير فرع الهيئة: «إن بلاغاً تم تلقيه وبعدها توجهت فرقة من الأعضاء للوقوف على الموقع للتأكد من صحة ذلك»، وطبعاً تم العثور على المجموعة وهي تمارس «تصرفات وحركات لإقناع البسطاء لشرائه، طمعاً في الانتفاع من هذه القلادة ولجلب الثراء وزيادة الأموال عبر اصطياد أكبر قدر من المتسوقين». وبعد تغني الدكتور كثيراً بهذا الانتصار الأمني المتمثل في القبض على تلك المجموعة، يتحول رجل الهيئة إلى طبيب ويقول إن علاجات القرص الحيوي «انتبهوا هنا»: «لا تحمل مثقال ذرة من الحقائق، فهو مجرد بناء أفكار بعيدة كل البعد من الحقائق العلمية، فهي منتجات تلعب على الحال النفسية للمستهلك أو المريض الذي قد يكون المستهلك». ثم يعود الى الدور الوعظي الفقهي في التسويق الهرمي ويستعرض فتاوى تتحدث عنه. ولكن هل الدكتور خبير أو عالم أو طبيب «مثلاً» ليقدم نصائحه عن منتج ما؟ إذا كان نعم فدعوني أقف احتراماً له وأسأله لماذا لا يعمل في أحد هذه المجالات لتغطية العجز في كوادرها، وإذا كان لا «فهو إحنا ناقصين». لا شك أن القرص الحيوي أثار الكثير من الآراء وخلق ردود فعل متباينة، وبعيداً من الترويج، الشركة المصنعة تقول إنها استخدمت فيه تقنية «النانو»، التي تعتبر المملكة في طليعة الدول العربية التي توجه لها دعماً معنوياً ومادياً كبيراً، أبرزه تبرع خادم الحرمين الشريفين لجامعات سعودية لدعم بحوثها في هذا المجال. قد يكون ما تدعيه الشركة المصنعة كذباً أيضاً، ولا يمكنني أن أؤيدها، في هذه الحال نحن في حاجة إلى خبراء لديهم الدراية ليبحثوا في فائدة هذا المنتج من عدمها، ويقدموا لنا حقيقته، حينها فقط بإمكاني أو بإمكان مدخلي إقناع «البسطاء» بأن تلك «حقيقة»، أو «كذبة» يراد بها الربح المادي والاستغلال، أما أن تترك الأمور «للفزعة»، وتعزيز الوصاية، فنقول «كفى». [email protected]