دخلت الولاياتالمتحدة منعطفاً تاريخياً أمس، بعد زلزال انتخابي من النوع الثقيل، أدى إلى إحكام المرشح الجمهوري دونالد ترامب واليمين الأميركي سيطرتهما على البيت الأبيض والكونغرس بمجلسيه: الشيوخ والنواب وحكام الولايات ومن ثم المحكمة العليا التي سيُعين فيها ترامب القاضي التاسع ليصبح القضاة المتعاطفين مع الحزب الحاكم خمسة. فوز ترامب الذي فاجأ الاستطلاعات ومراكز المعلومات والإحصاءات تحقق بفضل انتزاعه الولايات الذهبية الأهم في السباق وهي: فلوريدا وكارولاينا الشمالية وبنسلفانيا وأوهايو. ومكن أداء ترامب القوي، الجمهوريين، من المحافظة على غالبيتهم في مجلس الشيوخ بفارق سبع مقاعد على الأقل، كما مكنهم من السيطرة على 238 مقعداً في مجلس النواب في مقابل 193 مقعداً فقط للديموقراطيين. وأحدثت النتائج صدمة في الوسط السياسي الأميركي، وفاجأت حتى الجمهوريين الذين لم تعكس استطلاعاتهم الداخلية هذا المد الشاسع لترامب الذي قلب معادلات انتخابية وسياسية رأساً على عقب. وفي خطاب النصر الذي ألقاه فور تيقنه من الفوز، بادر الرئيس ال45 للولايات المتحدة إلى مد يد المصالحة إلى الداخل والخارج، داعياً الأميركيين إلى تضميد جروح الانقسام، مبدياً استعداده للتعاون مع كل الدول المستعدة للمثل. وفي اعتراف بالخسارة أتى متأخراً نسبياً، تمنت كلينتون لترامب النجاح وتعهدت العمل المشترك لحماية المبادئ الأميركية، وذلك بعد ساعات من مكالمته هاتفياً لتهنئته بالفوز، كما اتصل به الرئيس باراك أوباما ودعاه إلى البيت الأبيض اليوم لبدء مناقشة إجراءات نقل السلطة. وقالت كلينتون في خطاب أمام حملتها أمس: «ندين لترامب بعقل منفتح وفرصة للقيادة». واعترفت بأن «الخسارة موجعة، لكننا لن نتوقف عن الإيمان الراسخ بالنضال من أجل ما هو صحيح». وأبلغ «الحياة» مصدر بارز في الحزب الديموقراطي أن الخسارة «ضخمة جداً للحزب، لم يعد لدينا شيء، والجمهوريون يسيطرون على فروع الحكم كافة ولديهم عدد حكام أكبر على مستوى الولايات وسيستعيدون السيطرة على المحكمة العليا». وأتى تسلل ترامب إلى معاقل الديموقراطيين في الولايات الزرقاء (بنسلفانيا وميتشيغان وويسكونسن)، ليعكس أزمة في الحزب بعد ثماني سنوات لباراك أوباما، واتساع الفجوة بين إدارته والطبقات العمالية وسكان الأرياف، وخصوصاً البيض. وحققت كلينتون مكاسب كبيرة وسط الأقليات (88 في المئة من أصوات السود و61 في المئة من أصوات اللاتينيين)، إلا أن ترامب استنزفها بين الناخبين البيض الذين ما زالوا يشكلون غالبية في الولاياتالمتحدة. وكان اجتذاب هذه الشريحة في صلب حملة ترامب وبنائها على تذمرهم من السياسات الاقتصادية المتعاقبة منذ أيام بيل كلينتون، والاقتصاد الليبرالي واتفاقات التجارة الحرة والتي يحمّلها هؤلاء مسؤولية إقفال مصانعهم وارتفاع نسب البطالة. ووعد ترامب في خطاب النصر، بخطة لتعزيز البنى التحتية والعمل لتحسين أوضاع هذه الشريحة «المنسية والتي لم تعد منسية بعد اليوم». وبدأ الجمهوريون يعدون العدة لحكم غالبيتهم الأكبر منذ عقود، والالتفاف حول ترامب الذي كانت عارضته قيادات عدة في الحزب. وبذلك تستعد أميركا لطي صفحة أوباما والقفز إلى مسار نقيض أكثر شعبوية مع تولي ترامب الرئاسة في 20 كانون الثاني (يناير) المقبل. وبعث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ببرقية تهنئة إلى ترامب، متمنياً له أن يوفّق في تحقيق «الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم». وأشاد خادم الحرمين ب «العلاقات التاريخية الوثيقة بين البلدين الشقيقين التي يتطلع الجميع إلى تطويرها وتعزيزها في المجالات كافة لما فيه خير البلدين ومصلحتهما». وتوالت ردود الفعل العربية والدولية على فوز ترامب وراوحت بين الترحيب والحذر. وأعرب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن أمله في «بث روح جديدة» في العلاقات المصرية – الأميركية بعدما اتسمت بالفتور. ووجّه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني تهانيه إلى ترامب، معرباً عن تطلعه للعمل إلى تعزيز التعاون بين البلدين ومواجهة مختلف التحديات. وأعرب الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن أمله بأن «يتحقق السلام» في عهد الرئيس الأميركي المنتخب، على قاعدة «الالتزام بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطين على حدود 1967». أما إيران، فرأت أمس أن انتخاب الرئيس الأميركي الجديد لا يهدد الاتفاق النووي المُبرم مع الدول الست. ورجّحت أن تكون ولايته مختلفة عن حملته الانتخابية، ونوهت ب «صدقيته» و «مواقفه الواضحة والجيدة» حيال سورية. واعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ترامب «صديقاً حقيقياً لإسرائيل»، وقال مسؤول في مكتبه ان ترامب دعا نتانياهو الى اجتماع في «اول فرصة». وفي وقت رحبت أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا ب «عصر جديد»، دعا الاتحاد الأوروبي الرئيس الأميركي المنتخب إلى قمة بمجرد أن يسمح وقته بذلك. وأشار الاتحاد في بيان إلى أهمية الروابط الأمنية والتجارية بين الجانبين. ورأى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أن انتخاب ترامب يدشن مرحلة من عدم اليقين، وقال إن نتائج الانتخابات الأميركية تتجاوز حدود الولاياتالمتحدة. وتوقعت برلين أوقاتاً «أصعب» مع ترامب، وشددت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل على أن «التعاون الوثيق» بين البلدين يجب أن يقوم على القيم الديموقراطية المشتركة، وذكّرت ترامب ب «مسؤوليته» على المستوى العالمي.