مرة أخرى حطّ الصخب السياسي والتراشق الإعلامي الذي بلغ ذروة خطرة في الأيام الماضية، على خلفية الخلاف على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بين «حزب الله» وحلفائه من جهة، و«تيار المستقبل» وحلفائه من جهة أخرى، رحاله على طاولة مجلس الوزراء الذي عُقد عصر أمس لمناقشة التأزم السياسي وانفلات الألسن على مدى 10 أيام، بعد اتصالات مكثفة أُجريت ليل أول من امس وفي الساعات التي سبقت عقد الجلسة، هدفت الى ضمان التهدئة على قاعدة استيعاب الاحتقان الذي ظهر، داخل المؤسسات الدستورية. وإذ غلب الهدوء على مناقشات الجلسة التي طالت حتى الليل بعد طرح الوزراء من الجانبين مواقفهم، فإن المداخلتين اللتين أدلى بهما كل من رئيسي الجمهورية ميشال سليمان والحكومة سعد الحريري في مستهلها حددت مسار تبريد السجال، فدعا الأول عند افتتاحه الجلسة الى عقلنة الخطاب السياسي وإلى تغليب الحوار على المشاحنات والالتزام بميثاق التهدئة السياسية. وشدد رئيس الجمهورية على الحفاظ على الصيغة اللبنانية وعلى وجوب نقل أي خلاف الى المؤسسات وعدم تجاوزها «لأن مجلس الوزراء ومجلس النواب وغيرهما من المؤسسات هي المكان الفعلي لمعالجة كل الأمور، وبهذا يتم احترام مؤسسات الدولة وعملها لأنها الضامنة الأولى والوحيدة للبنان». ووضع سليمان الجميع امام مسؤولياتهم «التاريخية» في الحفاظ على الصيغة اللبنانية والعيش المشترك والسلم الأهلي، وقال: «إذا كان لأحد ملاحظات على الإدارات يجب ان تُطرح داخل المؤسسات لا خارجها فهكذا نعالج الأمور». واعتبر أنه «يجب ضبط سقف النقاش السياسي حفظاً للسلم الأهلي الذي نحرص عليه». وكرر الحريري في مداخلته تأكيد الثوابت التي شدد عليها أول من امس خلال ترؤسه اجتماع كتلة «المستقبل» النيابية وفي رسالة بعث بها مع مستشاره الى البطريرك الماروني نصر الله صفير قبل الظهر، فأكد امام مجلس الوزراء التمسك بالإجماع اللبناني على المحكمة الدولية وعلى العلاقة الاستراتيجية مع سورية كخيار أخذه بصفته رئيساً لحكومة لبنان وبالانحياز الكامل لمنطق الدولة والقانون. ونُقل عنه قوله «ان دم الشهداء يجب ألاّ يذهب هدراً ونحن قلنا ان شهود الزور أساؤوا الى لبنان وسورية... لكن يجب ألاّ نخرّب البلد من أجل شهود الزور». ومع أن المشهد السياسي لم يخلُ أمس من السجال بين «المستقبل» و «حزب الله»، فإن اتصالات ليل أول من أمس كانت رسمت توافقاً على التهدئة، استند الى جهود من قبل دمشق مع حلفائها، كما أكد زوار العاصمة السورية ل «الحياة». وذكر بعض هؤلاء ان معظم حلفاء سورية زاروها خلال الأيام الماضية وأن القيادة السورية أبدت انزعاجها من أن بعض هؤلاء الحلفاء ذهب بعيداً في التصعيد وأنهم بذلك أساؤوا التقدير وأنها نصحتهم بالعودة الى التهدئة وإلى روحية التفاهم السعودي - السوري. وذكرت أوساط سياسية بارزة ان دمشق أكدت لحلفائها دعم جهود الرئيس سليمان لاستيعاب التأزم وأنها شجعت الدور الذي لعبه رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط. وذكرت المصادر ان جهود التهدئة «كانت لقيت أساساً لإنجاحها في موقف الرئيس الحريري الذي أبلغ كتلة «المستقبل» تأكيده ما سماه الثوابت في سياسته». وأن هذا الموقف الذي سبق أن أعلنه مهّد لتلقفه بإيجابية ما نقله إليه العريضي من نصر الله. وأجمع عدد من الوزراء والنواب المنتمين الى الكتل النيابية الرئيسة قبل عقد الجلسة على ان المشاورات التي تولاها الرؤساء سليمان وبري والحريري أثمرت رغبة جامعة بالعودة الى التهدئة التي انعكست على جلسة مجلس الوزراء، إذ نجحت في اقتناع الجميع بالكف عن تبادل الاتهامات والحملات التي أدت الى تشنج الأجواء في الأسبوعين الأخيرين. وأكد عدد من الوزراء والنواب ل «الحياة» ان الجميع بات على قناعة بالحاجة الى وقف إطلاق النار السياسي، خصوصاً ان الخطاب بدأ يأخذ منحى طائفياً ومذهبياً وأن لا مصلحة لأحد في استمرار اجواء التشنج. ولفت هؤلاء الى ان التزام الجميع بالتهدئة يسمح بتضافر الجهود لتطوير وقف تبادل الحملات لتحقيق فك اشتباك على قاعدة التوصل الى مخارج لمعظم القضايا التي كانت وراء تصاعد الحملات الإعلامية والسياسية وفقدان السيطرة عليها. وأضاف هؤلاء أن الجهود انصبت قبل عقد الجلسة على التمهيد لبلورة مجموعة من الأفكار تكون بمثابة مخارج للحلول من خلال التوافق على آلية سياسية قاعدتها الأساسية وقف التراشق وتبادل الحملات والاحتكام الى المؤسسات الدستورية لمعالجة النزاعات القائمة والابتعاد عن ما يسيء الى دور هذه المؤسسات ويضرب هيبتها وهذا ما شدد عليه الرئيس سليمان امام زواره في الساعات التي سبقت جلسة مجلس الوزراء. وأكدت مصادر وزارية في المعارضة أن زعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية الذي كان التقى الرئيس السوري بشار الأسد عاد بانطباع يخدم التوجه للعودة الى التهدئة، وأن وزيره في الحكومة يوسف سعادة نقل للوزراء المنتمين الى المعارضة سابقاً هذه الأجواء في اجتماعهم التنسيقي الذي سبق الجلسة في مكتب الوزير جبران باسيل بعد ظهر أمس، حيث اتفق على طرح موضوع شهود الزور والدفاع عن موقف المعارضة على قاعدة أن لا نية لاستهداف الحكومة أو الاستقرار مع الاستعداد للانفتاح على أي بحث إيجابي. ونقل وزراء ونواب في المعارضة عن بري ارتياحه للدور الذي يقوم به سليمان من اجل نزع فتيل التفجير وأنه والحريري يلتقيان معه للعودة الى ما كان عليه الوضع من استقرار، وانه «لا مشكلة امامنا في ترتيب أمورنا خصوصاً تلك التي في متناول يدنا، وعلينا ان نقدم على ذلك. أما الأمور الأخرى التي هي خارج ارادتنا فإنها باتت تستدعي منا التريث إنما على قاعدة التزام الجميع التهدئة والحفاظ على الاستقرار لأن من مصلحتنا ان نبقى في مركب واحد، فيما نقوم بانتظار جلاء التطورات على المستويين الإقليمي والدولي». ونسب هؤلاء الى بري تأكيده ان «هذا يستدعي منا العودة الى روحية القمة الثلاثية والابتعاد عن كل ما من شأنه ان يسمم الأجواء العامة في البلد». وعلى هذا الأساس شهدت جلسة مجلس الوزراء مناقشة لكل مواضيع الخلاف، لكن بأسلوب هادئ. وقالت مصادر مطلعة ان وزراء «قوى 14 آذار» أصروا على طرح موضوع التجاوزات في طريقة استقبال «حزب الله» وقوى المعارضة للمدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد في مطار رفيق الحريري الدولي. ورد عليهم وزراء في المعارضة فقالوا إن الذين تواجدوا في المطار هم مرافقون للنواب والشخصيات الذين حضروا لاستقبال السيد. ونسبت مصادر إعلامية الى الوزير حسين الحاج حسن (حزب الله) قوله ان السفارات حين تستقبل بعض الشخصيات في المطار تقوم بممارسات تنتهك حرمته، وخصوصاً السفارة الأميركية. وقالت مصادر وزارية ان نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع الياس المر قال خلال الجلسة: «قد يكون هناك ظلم لحق بالضباط الأربعة الذين سُجنوا أربع سنوات لكن هذا الأمر لا يستدعي تحركاً وصولاً لخراب البلد، وانتهاك المؤسسات في أكثر من مكان وترويع الناس». وإذ أكد ان الضباط الأربعة ظُلموا، قال: «لكن غيرهم قتلوا ولم يعودوا بيننا. فمن هو المظلوم أكثر من زوجة بيار الجميل وأولاده ومن جبران تويني وجورج حاوي وسمير قصير وغيرهم». وأضاف المر: «لا تذهبوا بعيداً أنا موجود أمامكم بقدرة إلهية (نجا من تفجير استهدفه صيف العام 2005)، ولم نتحرك لتخريب البلد، لماذا لا تعالج الأمور ضمن دوائر ومؤسسات الدولة، وضمن الأطر القانونية، مع فتح حوار من اجل التوصل الى حل يرضي جميع المظلومين». وكانت كتلة «المستقبل» النيابية انتقدت «العراضات الأمنية السياسية والإعلامية التي ظهرت في المطار ومحيطه وبعض شوارع العاصمة من قبل «حزب الله» روعت المواطنين وأعطت عن لبنان صورة مقلقة بشأن ضعف استقراره». وسألت: «ماذا يفعل سلاح وأمن المقاومة على مدارج المطار وصالون الشرف؟». واعتبر نواب في «حزب الله» ومنهم نواف الموسوي ان «السبب الفعلي للتوتر في لبنان استهداف المقاومة». ورأى أنه «لن يكون هناك 17 أيار جديد (الاتفاق الإسرائيلي اللبناني الذي عُقد عام 1983 ثم أُسقط) والقرار الاتهامي (من المدعي العام الدولي في المحكمة الدولية) هو 17 أيار آخر». وأكد أن اللواء السيد «ليس خارجاً عن القانون».