قال الأميركيون في 2003 إنهم جاؤوا لتحرير العراقيين من ديكتاتورية صدام حسين التي تسعى لامتلاك أسلحة دمار شامل، ثم ظهر سريعاً انهم ليسوا سوى غزاة محتلين يسعون وراء اهداف اخرى بينها النفط والسيطرة على المنطقة وتغيير الموازين فيها بالقوة، لكن ما لم يقله أحد بالفم المملوء انهم كانوا ايضاً لصوصاً أين منهم «علي بابا»، ولا يزالون. الخبر يقول ان وزارة الثقافة العراقية تفاوض السلطات الاميركية على اعادة ملايين الوثائق التي «نقلها» الجيش الاميركي الى الولاياتالمتحدة، لكن هذه لا تبدو متحمسة لتنفيذ التزاماتها بموجب اتفاق بين الجانبين في هذا الخصوص. ويوضح ان الأمر يتعلق بأرشيف حزب «البعث» وأرشيف اليهود العراقيين اللذين يشكلان جزءاً أساسياً من تاريخ البلاد وموروثها الثقافي. وأشار الى ان الاميركيين لم يسمحوا للوفد العراقي المفاوض بالاطلاع على الأرشيف المسروق لأنه «سري». ولا يقتصر الأمر على الوثائق، بل ان هناك عشرات آلاف القطع الأثرية التي نهبها الجنود الأميركيون في شكل منظم ونقلوها الى بلادهم بإشراف من قيادتهم العسكرية، ولا يزال القسم الأكبر منها مجهول المصير. لكن السؤال الذي لا يجد جواباً هو لماذا اقدمت القوات الاميركية على سرقة وثائق العراق وآثاره وبكل هذه العلانية؟ هل كانت قيادة الاحتلال تعتقد أن هزيمة صدام تعني استباحة بلده ونهب ثرواته مثلما كان يحدث في الأزمان الغابرة عندما تسقط المدن المحاصرة فيستحل الغزاة كل ما فيها، أم مثلما فعل النازيون عندما احتلوا دولاً اوروبية ونقلوا محتويات متاحفها الى المانيا أو أخفوها في معسكراتهم؟ ام انهم اعتقدوا أن العراق لن تقوم له قيامة بعد تدميره وتفكيكه وان الحكومات التي ستنشأ فيه سيغلب عليها «العرفان بالجميل» للأميركيين وستخجل من مطالبتهم بإعادة ما نهبوه؟ لا بد من أن البعض يتذكر الصورة الشهيرة لجنود اميركيين يقفون مشدوهين أمام آثار المدينة السومرية في أور بمحافظة ذي قار والتي يزيد عمرها على اربعة آلاف عام. ومن الطبيعي ان ينبهر بكل هذا التاريخ اشخاص قادمون من «حضارة» لا يزيد عمرها على 234 سنة بالتمام، وقامت عملياً على نفي تاريخ وحضارة السكان الاصليين. لكن هذه الولاياتالمتحدة تحولت بسرعة الى اقوى واغنى دولة على وجه الأرض وعلى رغم ذلك لا تزال تتصرف بعقلية قُطّاع الطرق التي سادت بداياتها. وكان مسؤولون عراقيون تحدثوا عن سرقة اسرائيل قطعاً اثرية مهمة من بلادهم، عبر عصابات متخصصة غضت قوات الاحتلال الطرف عنها، واستخدمت اساليب متطورة غير معروفة للأجهزة الأمنية في الدول التي مرت الآثار عبرها، وان بين الآثار المنهوبة مجموعة من التماثيل والألواح الطينية المنقوشة من العصور السومرية والبابلية. واتهم بعضهم قوات الاحتلال الاميركية والعصابات الاسرائيلية نفسها بتخريب مواقع آثرية عراقية وطمس معالمها، وخصوصاً في بابل، ولا سيما تلك التي تؤرخ لحملات عسكرية قام بها سنحاريب وأبوه سرجون وآشوربانيبال ونبوخذ نصر البابلي لمحاصرة مدن لاكش والسامرة وأورشليم. وهو ما أكدته منظمة «يونيسكو» في اكثر من مناسبة. وسبق لإسرائيل ان قامت بسرقات منظمة مماثلة عندما غزا جيشها لبنان في 1982 ونقل الى داخل اسرائيل آثاراً نهبت سواء من مواقع اثرية معروفة او نقب عنها الجنود الاسرائيليون في قرى وبلدات الجنوب. قبل بضعة ايام، رفضت بغداد طلب ليبيا من الاممالمتحدة اجراء تحقيق قضائي في الغزو الاميركي والبريطاني العراقَ، بحجة انه يشكل «تدخلاً في الشأن العراقي» وان دوافعه سياسية. لكن لماذا لا تحرك الحكومة العراقية نفسها «دعوى ثقافية» ضد الولاياتالمتحدة لاسترجاع الكنوز التاريخية المسروقة عن سابق تصور وتصميم، كونها من حق الشعب العراقي وأجياله المقبلة؟