هيمنت المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين على مداولات وزراء الخارجية العرب خلال اجتماع الدورة 134 لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري بمشاركة 16 وزيراً والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى ورئاسة وزير خارجية العراق هوشيار زيباري الذي اعتبر أن هذه الرئاسة دليل على عودة العراق إلى عمقه العربي. وشدد الوزراء العرب على ضرورة وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، ودعموا مطالب السلطة في هذا الصدد، وأكدوا رفضهم «يهودية الدولة»، فيما تمسكت العراق بعقد القمة العربية في آذار (مارس) المقبل في بغداد. ورفض المجلس قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس عمر البشير، وحض على العمل على جعل خيار الوحدة بين شمال السودان وجنوبه خياراً جاذباً. وناقش وزراء الخارجية العرب جدول أعمال تضمن نحو 30 بنداً تتناول قضايا العمل العربى المشترك المختلفة. واحتلت القضية الفلسطينية وتطوراتها وما يرتبط بالمفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين جانباً كبيراً في مناقشات الوزراء. واستعرض الوزراء تقرير وتوصيات مؤتمر المشرفين على شؤون اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية المضيفة في دورته 84 التي عقدت في الجامعة العربية. وألقى المفوض العام ل «وكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (أونروا) فيليبو غراندي كلمة خلال اجتماعات الوزراء. وناقش الاجتماع قضية الأمن القومي العربي ومخاطر التسلح النووي الإسرائيلي وأسلحة الدمار الشامل الإسرائيلية، على السلم الدولي والأمن القومي العربي وحجم ومخاطر النشاط الفضائي والصاروخي الإسرائيلي، إضافة الى تنمية الاستخدامات السلمية للطاقة النووية في الدول الأعضاء في الجامعة العربية. وسبقت عقد المجلس الوزاري جلسة تشاورية للوزراء جرى خلالها التشاور في بعض القضايا المطروحة على اجتماع الوزراء. وشارك في الاجتماع 16 وزير خارجية ووزير دولة، كرؤساء وفود من مصر والإمارات والعراق والسودان وليبيا والسعودية ولبنان والبحرين والكويت والجزائر وقطر والصومال وتونس وجيوبتي وفلسطين وجزر القمر، فيما جاء تمثيل كل من الأردن وسورية وسلطنة عمان والمغرب وموريتانيا واليمن على مستوى وكلاء وزارة أو مندوبين لدى الجامعة العربية. وقال الأمين العام للجامعة عمرو موسى إن «الموقف الرصين يقتضي إعطاء المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين فرصتها، على رغم المخاوف والشكوك التي تحيط بها نتيجة للموقف الإسرائيلي». وأضاف في كلمته أمام اجتماعات المجلس، أن تطورات الأسابيع القليلة المقبلة وما يتعلق بالاستيطان وما يتضح سيكون حاسماً في ما يتعلق بهذا المسار، مشيراً إلى أنه سيكون هناك موقف عربي إما إيجابي للإيجابي أو سلبي للسلبي، وأنه يجب عدم ترك فلسطين لمصيرها. وأوضح أن «القضية الفلسطينية قضيتنا جميعاً، والتضامن حولها سيكون له دوره الفاعل»، موضحاً أن «سياسة هل من مزيد قد انتهت ولن تجدي، وصدقية المجتمع الدولي أصبحت على محك خطر». وأعرب عن تقديره للدور المصري، قائلاً: «لا شك في أن الجهد المصري مصيري في هذه المرحلة نحو الثوابت العربية، كما أننا سنرحب ونشجع وبكل إيجابية بأي تقدم حقيقي وذي قيمة يحرزه هذا المسار». وأوضح أن اجتماع وزراء الخارجية العرب فرصة لبدء دراسة الخيارات العربية إزاء الاحتمالات المختلفة في ما يتعلق بالمفاوضات المباشرة، خصوصاً إزاء احتمال استمرار الاستيطان. وقال: «نتابع مجريات المفاوضات المباشرة التي انطلقت في 2 أيلول (سبتمبر) الجاري برعاية أميركية، وذلك في مناخ تشوبه الريبة وعدم الثقة، وشعور بأننا رأينا ذلك من قبل»، لافتاً في هذا الصدد إلى الفشل المتكرر بسبب الموقف الإسرائيلي، والانحياز الدولي. ورأى أنه على رغم عدم تغير الأساليب والسياسات والمواقف، وعلى رغم الشكوك في أهدافها، إلا أن «الموقف الرصين يقتضي إعطاء المفاوضات فرصها». وقال إن «العرب لن يقولوا للجانب الفلسطيني اذهب أنت وربك فقاتلا لأن هذه قضيتنا جميعاً». وحذر من خطورة أصوات المتطرفين التي ارتفعت لتؤجج نيران الكراهية بين الأديان والثقافات، خصوصاً ضد الدين الإسلامي الحنيف. وقال إن رئاسة العراق للمجلس تؤكد عودته لحاضنته العربية، معتبراً أن قرار الولاياتالمتحدة إنهاء العمليات العسكرية في العراق نهاية آب (أغسطس) الماضي تطور مهم، يشكل تحدياً للقوى السياسية في العراق في الأخذ بزمام الأمر والتحرك نحو العراق الجديد الذي يقوم على تفعيل القدرات العراقية، ليكون العراق جزءاً رئيساً من المجتمع العربي الإسلامي. وأكد في هذا الإطار ضرورة تشكيل حكومة وفاق وطني قادرة على تجسيد آمال الشعب العراقي الذي أوضح في الانتخابات الماضية موقفه الراغب في إعادة الأمن والاستقرار والتماسك وبناء مؤسساته الدستورية. وفي ما يتعلق بالسودان، قال موسى: «نقف مع وحدة السودان، ونقف صامدين لصيانة هذه الوحدة، كما نتطلع لأن يجرى الاستفتاء الخاص بتحديد مصير الجنوب في بيئة آمنة، وأن يتم وضع ترتيبات التعامل مع نتائجه، ما يتيح التعاون المشترك في أطر مقبولة بالنسبة الى الوضع المستقبلي الذي سينتج من الاستفتاء. واستعرض موسى الجهود العربية في تسليط الضوء على البرنامج النووي الإسرائيلي، مشيراً إلى نجاح الموقف الجماعي العربي في مؤتمر محافظي وكالة الطاقة الذرية، باستصدار قرار في شأن القدرات النووية الإسرائيلية. واستهل وزير خارجية العراق، رئيس الدورة 134 لمجلس الجامعة العربية الجلسة بالتأكيد على حرص العراق على استعادة تمثيله في الجامعة العربية بعد الحرب الأميركية وسقوط النظام السابق. وقال زيباري: «منذ سبع سنوات، كان هذا المحفل يجمعنا، وكانت هناك تساؤلات عن مشروعية الحضور العراقي»، في إشارة إلى مسألة عودة تمثيل العراق في الجامعة العربية بعد سقوط النظام السابق. وأضاف أن العراق الجديد لم يكن مألوفاً بعد، وما جرى كان يخضع لتوجهات متباينة، غير أن المألوف كان إصرار العراق على العودة لمكانه في بيته، لتثبت الجامعة العربية استقامة معاييرها وموضوعيتها وهي تنظر إلى بلد يشكل أحد أعمدتها ومؤسسيها الأوائل. وتابع: «اجتزنا ظروفاً وعرة ومعقدة ما كان يمكن تجاوزها لولا الوقفة المشهودة للجامعة العربية وقيادتها الحكيمة التي اتسمت بالرؤية العميقة وبعد النظر، وها نحن نكمل استعداداتنا من أجل استقبال القمة العربية المقبلة في بغداد التي تتعافى من جراحها وتنفض عنها غبار الحروب والأزمات لتولد من جديد ويبارك ولادتها هذا الجمع المبارك». وأوضح أن «بغداد تشهد تحضيرات واسعة على الصعد اللوجستية والإدارية والأمنية لاستقبال الملوك والرؤساء والقادة العرب لقمة بغداد، خصوصا أننا نقترب من موعد انعقادها نهاية آذار (مارس) المقبل، ويأمل العراق الذي سيترأس القمة، مشاركة عربية واسعة تجسد أهمية العراق ودوره المحوري في أمته. وأكد أن العراق مع ما تقرره السلطة الفلسطينية في ما يتعلق بالمفاوضات المباشرة ورؤيتها إليها طبقاً للقرارات العربية والدولية ذات الصلة. وشدد على أن مبادرة السلام العربية هي خيار استراتيجي، لكنها لن تبقى مطروحة الى أبد الآبدين. وأكد حق إيران في استخدام آخر مستجدات العلم والتكنولوجيا بحيث يكون ذلك في إطار الاستخدام السلمي للطاقة النووية، مجدداً دعوة العراق لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقال إن على إسرائيل التزام ذلك وإخضاع جميع منشآتها النووية لنظام الضمانات الشاملة الخاص بالوكالة. وأقر بأن العراق يمر حالياً بظروف سياسية ودستورية صعبة بسبب تأخير تشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات الديموقراطية الأخيرة، إلا أن جهود القيادات السياسية متواصلة لتشكيل حكومة شراكة وطنية وحكومة جامعة تحترم إرادة الناخب العراقي. وقبيل الاجتماع، عقدت اللجنة الوزارية العربية المعنية بالسودان اجتماعاً استمعت خلاله إلى عرض قدمه وزير خارجية السودان علي كرتي في شأن موقف بلاده، من كل القضايا المطروحة حالياً، خصوصاً بالنسبة الى استفتاء الجنوب، والوضع في دارفور والاستراتيجية الجديدة للحكومة السودانية لتحقيق السلام في الإقليم والمحكمة الجنائية الدولية. كما عقدت هيئة متابعة تنفيذ القرارات والالتزامات الصادرة عن القمة العربية في سرت اجتماعاً برئاسة ليبيا (الرئاسة الحالية) للقمة العربية، للنظر في تقرير الأمانة العامة عن تنفيذ قرارات قمة «سرت». وكذلك عقدت اللجنة الوزارية العربية المكلفة بمتابعة الوضع في الصومال اجتماعاً قدم خلاله وزير الخارجية الصومالي يوسف حسن إبراهيم تقريراً شاملاً للوزراء عن مستجدات الأوضاع في الصومال. وعقد الوزراء بعد الجلسة الافتتاحية للمجلس الوزاري جلسة خاصة لمناقشة التحضير والإعداد للقمة العربية الاستثنائية المقرر عقدها في ليبيا في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل. وأقر الوزراء مشاريع القرارات التي رفعها لهم المندوبون الدائمون وأهمها قرار يحمل عنوان «متابعة التطورات السياسية للقضية الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي وتفعيل مبادرة السلام العربية» ينص على أن المفاوضات المباشرة يجب أن ترتكز على مرجعية عملية السلام وبإطار زمني محدد، وأن النقاش عن الحدود يجب أن يستند الى إنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967، والشروع في قضايا التسوية النهائية للصراع العربي - الإسرائيلي، وعلى رأسها الاستيطان والقدس واللاجئون والحدود والمياه، والانسحاب من كافة الأراضي العربية المحتلة. ورفض مشروع القرار المواقف الإسرائيلية الخاصة بمطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، ورفض كل الإجراءات الإسرائيلية الأحادية الجانب الهادفة إلى تغيير الواقع الديموغرافي والجغرافي للأراضي الفلسطينيةالمحتلة، بما فيها القدسالشرقية وفرض وقائع جديدة على الأرض واستباق نتائج مفاوضات الوضع النهائي ومحاولات الالتفاف على أسس عملية السلام ومرجعياتها وتقويض الحل المتمثل في إقامة الدولتين والقضاء على فرص إقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة. وأكد القرار عروبة القدس ورفض كافة الإجراءات الإسرائيلية غير الشرعية التي تستهدف تهويد المدينة وضمها وتهجير سكانها. وطالب المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل من أجل رفع الحصار عن قطاع غزة. ودان العدوان العسكري المبيت الذي ارتكبته إسرائيل ضد قافلة الحرية في المياه الدولية. وأكد ضرورة تحقيق المصالحة الفلسطينية في شكل فوري. ودعا مصر الى الاستمرار في جهودها لتأمين التوصل إلى اتفاق المصالحة ليتم التوقيع عليه من كل الأطراف الفلسطينية. وفي قرار آخر، رفض الوزراء قرار الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس السوداني حسن البشير. ودعا القرار إلى التضامن مع السودان ودعمه في مواجهة قرار الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس البشير الذي يهدف إلى النيل من قيادته الشرعية المنتخبة، ووحدة السودان وأمنه واستقراره وسيادته، ويؤثر سلباً في الجهود الحثيثة لإحلال السلام. كما أقر الوزراء قراراً عن الإرهاب الدولي وسبل مكافحته يفرق بين المقاومة والإرهاب ويرفض ابتزاز الجماعات الإرهابية. وأكد المشروع ضرورة التفريق بين الإرهاب والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال وعدم اعتبار العمل المقاوم عملاً إرهابياً، مع الأخذ في الاعتبار أن قتل الأبرياء لا تقره الشرائع السماوية ولا المواثيق الدولية. ويرفض مشروع القرار الخلط بين الإرهاب والدين الإسلامي الحنيف الذي يدعو إلى إعلاء قيم التسامح ونبذ الإرهاب والتطرف، كما يرفض كل أشكال الابتزاز من قبل الجماعات الإرهابية بالتهديد أو قتل الرهائن أو طلب فدية لتمويل جرائمها الإرهابية. ورحب الوزراء بتوجهات رئيس الصومال والحكومة الصومالية الجديدة بتفعيل المصالحة الوطنية مع جميع مكونات المجتمع الصومالي في الداخل والخارج، انطلاقاً من اتفاق جيبوتي، والاتفاقات الأخرى ذات الصلة. وحضوا جميع الأطراف الصومالية على دعم هذا الاتفاق وجميع برامج المصالحة الوطنية. وطلبوا في قرار آخر الإسراع في تقديم المساعدات العاجلة في الحساب الخاص الذي فتحته الأمانة العامة لدعم المهجرين العراقيين في الدول العربية المضيفة، والمساهمة الفعالة في تحسين أوضاعهم المعيشية والإنسانية، وتخفيف الأعباء التي تتحملها هذه الدول. ودعا القرار المشروع المجتمع الدولي إلى تقديم المساعدات اللازمة من خلال رفع مساهمتها المالية للدول العربية المضيفة للمهجرين العراقيين بالسرعة الممكنة.