لست صحافياً سويسرياً أو نمسوياً لأستهول نحر رجل أو فصل رأسه عن جسمه. ثم إنني لم أدخل المهنة من باب تغطية أحوال الحمام حول النوافير في الساحات أو ما يجرى في دور الأوبرا. أنا من بلد تاريخه الحديث مرصع بالحروب والاغتيالات والجنازات. وشاء القدر أن يكون ميدان اهتمامي منجم الشرق الأوسط ونوافير الدم فيه. وللأسف أملك خبرة في رؤية الجثث وضبط المشاعر. لكنني أشعر أحياناً بالرغبة في الصراخ. ربما لأن العالم لم يكن يوماً على هذا القدر من الوحشية والخطورة. وهذا ما حصل البارحة لدى متابعة الأخبار. أحذرك عزيزي القارئ من اتهامي بالمبالغة. خذ عينة مما أقصد. هذا خبر من العراق. قال المتحدث باسم شرطة ديالى إن «مسلحين مجهولين قتلوا نحراً إمام وخطيب مسجد قرية سنسل الشيخ عبد الجبار صالح الجبوري وأحرقوا جثته أمام منزله». وأوضح أن «المسلحين احتجزوا الشيخ الجبوري في إحدى غرف منزله وقتلوه نحراً ثم قاموا بعد فصل الرأس عن الجسد بنقل الجثة وحرقها أمام المنزل قبل أن يلوذوا بالفرار». والرجل معروف بمعارضته للمتشددين لا سيما عناصر «القاعدة». تقرأ هذا الخبر الراعب. ثم تقرأ بعده أن الكتل السياسية لا تزال تبحث عن آلية لاختيار رئيس الوزراء العتيد على رغم مرور ستة أشهر على الانتخابات النيابية. ولا أعرف لماذا لا تزال الكتل تحتاج الى آلاف الجثث لتعثر على الآلية الموعودة. أعوذ بالله. يخالجني شعور أن صدام حسين يضحك شماتة في قبره. خبر آخر عزيزي القارئ. هذه المرة من فلاديقوقاز في روسيا ومفاده أن هجوماً انتحارياً استهدف سوقاً في المدينة وأن الحصيلة الأولية تشير الى مقتل 15 شخصاً وهي مرشحة للارتفاع. وخطورة تصاعد هذه الممارسات على علاقات المسلمين بمواطنيهم لا تخفى على القارئ خصوصاً في ضوء ما يجرى في الشيشان وداغستان. ثم خبر ثالث. استهدف هجوم انتحاري المدخل الرئيسي المدني لمطار مقديشو ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى. أحوال الصومال الشقيق لا تحتاج الى تعليق ويخشى أن يكون حاضره، على قسوته المفرطة، أفضل من مستقبله. باكستان العزيزة تتقدم بخطى ثابتة نحو التفكك المريع والانهيار الشامل. كارثة الفيضان التي انجبت عشرة ملايين نازح لم توقف نشاطات الانتحاريين الذين ينغمسون في مراكز الشرطة أو يؤججون نار الفتنة المذهبية. في عالم على هذا القدر من الاضطراب وعشية ذكرى هجمات 11 أيلول (سبتمبر) ينبري قس أميركي متعصب وتافه مهدداً بإحراق نسخ من المصحف. رجل موتور لا يزيد عدد اتباعه على حفنة من الجهلة يهدد بإحداث أزمة كبرى ويتجاهل الإدانات الدولية وهي مسيحية وإسلامية في آن. انه أمر مقرف فعلاً أن يعجز النظام عن كبح جماح مريض من هذا النوع تلتقي فعلته عملياً مع فعلة من قطعوا رأس الشيخ الجبوري في العراق. إن تصاعد التعصب في عالم مفتوح قادر على نقل هذه الممارسات الفظة الى كل أرجاء المعمورة ينذر بجعل العالم مكاناً مفخخاً بالفعل، خصوصاً أن المتعصب يغذي المتعصب المعادي وهكذا يسقط العالم أسير رقصة المتعصبين. ما يشهده العالم حالياً مخيف ومريع. محاولة شطب الآخر بعد التذرع باحتكار الحقيقة عمل وحشي لا يمكن تبريره. وانتهاك الحرمات والمقدسات واستفزاز المشاعر جريمة لا تقل عن قطع الرؤوس كونها تساعد على شيوع منطق الإلغاء والبتر والقطع. إن رفض قيم التعايش وقبول الآخر وحقه في الاختلاف والسعي الى تحريك السكاكين في الجروح القديمة أو المخاوف المستجدة جريمة لا علاقة لها بالحرية الشخصية. انها مساهمة في تسعير الطلاق بين الحضارات والأديان. انها مساهمة في برنامج المتعصبين على اختلاف انتماءاتهم وميولهم. وأول بند في هذا البرنامج هو اغتيال الجسور. من واجب السياسيين ورجال الدين والإعلاميين والباحثين والمدرسين التنبه ورفع الصوت عالياً. إن القرية الكونية تكاد تسقط تحت رياح الطلاق الدامي. هذا فظيع.