«أنا حذاؤك الأحمر يا وارفة... أنا الذي أتحمل وزنك وأتحمل عبثك وأتحمل فراق كعبيك. تشترين حذاء جديداً فأغار كثيراً، وخاصة حينما تفضلينه عليّ، فتملّينني وتتركينني في الخزانة مع بعض الصنادل وهذا لا يليق بي... هل تذكرين حينما قتلت بي حشرة في الطريق... فتحولت إلى أداة للقتل وأنا لم أكن شريراً أبداً. ليتك تنصتين إليّ، لن تدركي أبداً كم تألمت وأنت تركلين بي حجراً في طريقك إلى المدرسة، بل انك لم تسمعي صرخاتي كلها، وأنت تُحكمين عليّ الرباط وكأنني سأهرب منك في أي لحظة. وارفة لا تتركيني وحيداً، تغلقين عليّ الخزانة وترحلين، لا أستطيع أن أتنفس، أشعر أنني اختنق، فأنا أخاف الظلام... لا تتركيني أشيخ وحدي». هذا النص القصير الذي يبدو للوهلة الأولى مقتطفاً من رواية فانتازية لكاتب كبير، هو في الواقع نتاج ورشة الكتابة والتصوير التي أقيمت على هامش مهرجان السنديان في قرية الملاجة في مدينة طرطوس السورية. وقام بكتابته أطفال لم يتجاوزا سن الثانية عشرة ضمن الورشة التي سميت «مشاعرنا». كان الأطفال صغاراً ولكن فرحهم كان كبيراً، وكانوا يتحلقون حول الشاعرة المصرية جيهان عمر المشرفة على الورشة، في دائرة لم تكتمل حيث الجبال تنظر إلى هذه المجموعة اليانعة بشغف. تلمع عيون الأطفال بترقب مجهول، أطفال ينتظرون مهرجان السنديان كل عام، الشعر والموسيقى والألوان... ويرسمون ويضحكون ويرقصون. شيء واحد كان يخيف الشاعرة المصرية جيهان هو أن ينتظر الأطفال منها تجربة جديدة لم تمر من قبل على عقولهم الصغيرة، فقررت دمج التصوير الفوتوغرافي بالكتابة كمحاولة لإثراء التجربة. وبالفعل زادت حماستهم ثم سألوا بفرح: ماذا سنكتب؟ سنكتب ما نشعر به في تلك اللحظة، وهكذا سميت الورشة ورشة «مشاعرنا». عند هذه النقطة مزّقت الشاعرة خطة الورشة التي أعدّتها وتركت أكفهم الصغيرة تقودها نحو الجبال والطرق التي لا تعرفها. كانوا يلتقطون الصور بعضهم لبعض وهم يتسلقون الجبال ويعدون في الطرق الملتوية بعد أن تعلموا مبادئ التصوير الضوئي في وقت قياسي، وحينما كانوا يتعبون كانوا يجلسون في عرض الطريق ليقرأوا النصوص التي كتبوها. جاءت النصوص في البداية لتشبه موضوع التعبير في المدرسة، وكان مشروع الكتابة والتصوير معاً تحت عنوان «صديقي كيف تراني». كان كل صديق يلتقط صوراً كثيرة لصديقه ويترقب مشاعره المختلفة ثم يكتب تجربته معه أو يكتب قصة قديمة حدثت مع صديق كمحاولة لاستدعاء لحظات ماضية من خلال النثر. بعضهم حاول أن تكون كلماته شعراً وكانت محاولات طازجة الأفكار والمشاعر التي بدت دافئة على رغم عيوب الكتابة للمرة الأولى. لكنهم تعلموا شيئين: أن الكتابة ليست هي موضوع التعبير في المدرسة، وأن الكاميرا لا تسجل الملامح بل تظهر المشاعر وتكشفها. وعلى رغم تعجبهم في البداية من السؤال عن المشاعر، وفكرة الحديث عنها، وأنه سؤال لم يسألوه لأنفسهم، أو يسألهم عنه أحد، لكن ظلت فكرة المشاعر، هي الخيط الذي يجمع تدريبات الكتابة كلها. وحينما تحدثت سنا عن صديقها البحر، كانت تتكلم وكأنها البحر، مما شجع المشرفة على الورشة على الانتقال إلى التدريب الثاني وهو أكثر تحفيزاً للخيال بعد أن لمحت حذاء رياضياً لبنت اسمها وارفة وهي من أعضاء الورشة وأخبرتهم لماذا لا نتخيل أنفسنا هذا الحذاء الأحمر ونجعله يتحدث ويحكي عن مشاعره؟ انفجر الأطفال بالضحك رافضين أن يتخيلوا مشاعر الحذاء. قالت لهم: لماذا لا نجرب؟ وتركتهم لدقائق وفوجئت هنا أيضاً بخيال طازج وحس كوميدي. وأصبح هذا المشروع هو التدريب الثاني للورشة، إذ جاء أكثر قوة وقد صار الحذاء الأحمر بطلاً. كانوا يأخذون له لقطات كثيرة في أوضاع مختلفة وتلقائية ومع الوقت كانوا يشعرون أن الحذاء تحول إلى كائن يشعر ويتحرك وصار هو نص الورشة الجماعي بعدما جمعت أفكارهم في نص واحد تحت عنوان «حذاء وارفة الأحمر». بدأ الأطفال يدركون أن الهدف من هذا التخيل هو الإحساس بالجمال في كل شيء من مفردات الكون حتى الجماد، فكتبوا نصوصاً شعرية مختلفة. وتقول لور أحمد (13 عاماً) في نص طويل تحت عنوان «أنا والشمس»: أقلعت بي الطائرة من طرطوس كلما اقتربت منك سعادة تتوسع في قلعة المرقب أغان تصدر من أعواد القصب.