ساد القلق أخيراً ربوع مصر، خصوصاً الريفية منها، حين تداول الإعلام فكرة نُسبت إلى وزير الري الجديد الدكتور محمد نصر علام تفيد بتركيب عدادات مياه في الحقول لبدء محاسبة الفلاحين على قيمة مياه الري، الأمر الذي نفاه الوزير. وسواء ظلت الفكرة منفية أم لا، فإن واقع الحال يؤكد أن الأشهر القليلة المقبلة ستشهد تغييراً جذرياً في السياسات المائية الداخلية، ومحاولات مختلفة ومبتكرة لتغيير ملامح الثقافة العشوائية المائية للمصريين. ويعتقد البعض أن هذه العشوائية حكر على البسطاء ممن يغرقون الشوارع صيفاً من صنابير الماء العمومية لتبريد الجو، أو «البوابين» الذين يغسلون سيارات سكان الأبنية بالخراطيم، أو حتى ربة البيت التي تتجاهل النقاط المتسربة من صنبور المطبخ أو الحمام، إلا أن هذه العشوائية تتخذ أشكالاً أخرى أكثر أناقة ولها مسميات كثيرة في قاموس الطبقات الثرية. فمنها مثلاً البرك الصناعية التي تملأ المنتجعات السكنية في المدن الجديدة، وملاعب الغولف الشاسعة، وحمامات السباحة في فيلات الكبار. وعلى رغم ذلك، فإن حملات التوعية وخطط الحكومة لترشيد المياه لا توجه إلى هذه الفئات الأخيرة. العالم المصري الجيولوجي الدكتور رشدي سعيد قال في ندوة قبل أيام أن عشر المياه في مصر تذهب إلى حفنة من المستثمرين من أصحاب ملاعب الغولف والمنتجعات ذات المسابح الشاسعة. وانتقد بشدة فكرة تسعير المياه، باعتبار أنها تضرب بموروث المصريين الثقافي عرض الحائط، والذي يعتبر الماء منحة من الله وليس سلعة مسعرة. أغلب الظن أن الفترة المقبلة لن تلتفت كثيراً إلى الموروثات الثقافية والقيم المعنوية، ولكن ستولي العناية الكبرى لكيفية الخروج من دائرة الفقر المائي المصري. فحسب إحصاءات «اللجنة المصرية للحق في المياه» التي انطلقت في أواخر العام الماضي، فإن مصر تعاني ندرة مائية تنعكس على متوسط نصيب الفرد من الماء، إذ لم يتجاوز 860 متراً مكعباً في عام 2003، وهو متوسط الفقر المائي. مفهوم الفقر المائي لم يطل بعد السبل التي تملأ شوارع القاهرة وحاراتها والتي تطورت من صنبور إلى مبرد ماء محبوس في قفص حديدي ومزود بكوب مربوط بسلسلة حديدية خوفاً من السرقات. أما أصحاب محال عصير القصب والذين كانوا لا يمانعون في ملء الأكواب والزجاجات للعطشانين من دون مقابل، فباتوا يتحججون بانقطاع الماء أو الاكتفاء بجرعة صغيرة خوفاً من التسعيرة الملتهبة للفواتير. فطوال عقود، لم يسمع المصريون ب «الإجهاد المائي» ولا «الفقر النهري» ولا حتى الجفاف، لكنهم يتابعون إعلانات التوعية التي تبثها وسائل الإعلام الرسمية والتي تدعو المواطنين إلى ترشيد استخدام المياه.