... وفي الحلقة 25، بدأت قصة مسلسل «زهرة وأزواجها الخمسة». أما كل ما سبق فلم يكن أكثر من مقدمات، أو سياحة، تارة على شواطئ شرم الشيخ، وتارة أخرى في ربوع لبنان الخضراء ومعالمه الأثرية... وبين هذه وتلك، غرق المسلسل في قشور، كان يمكن اختصارها رأفة بالمشاهد الذي اجتذبه الموضوع كما قرأه من العنوان، قبل أن تجذبه الحلقات الأولى، وأداء «زهرة» فيها. فللوهلة الأولى، بدا أننا سنكون أمام مسلسل سيثير نقاشاً طويلاً، بطرحه مشكلة قد يتضارب حولها القانون والشرع، عنينا قضية تعدد الأزواج. كما بدا أن دور الممرضة «الجدعة بنت البلد» سيشكل دور العمر لغادة عبد الرازق في التلفزيون. ولكن، حلقة بعد حلقة، بدأت هذه القناعة تزول، وراح المسلسل يتحول الى فيلم هندي طويل يثير الملل في نفوس مشاهديه. أما بطلته، فما إن خلعت ثوب الممرضة - بالإذن من نقابة التمريض في مصر التي اعتبرت أن شخصية «زهرة» تسيء للممرضات- وارتدت ثوب سيدة الأعمال وصاحبة الملايين، حتى أخفقت... كما أخفقت في لعب دور الأم التي لم نرها مع ولديها في مشهد واحد... تماماً مثلما لم نرها متأثرة بعد فقدانها جنينها... بين النجمة والممثلة في كل تلك المشاهد انتصرت غادة عبدالرازق على «زهرة». برزت النجمة وغابت الممثلة، فسقطت عبدالرازق في شرك سيناريو بدا أنه لا يريد أن يقول شيئاً، وكأن هدفه أن يسوّق لبطلته فقط لا أكثر... من هنا تكاثرت فترات الاستجمام على شواطئ مصر وفي ربوع لبنان. بل، نكاد لا نبالغ إن قلنا أن حلقات عدة، بدت أقرب الى برنامج سياحي منها الى مسلسل تلفزيوني. وفي هذا السياق، كان للمشاهد صولات وجولات في لبنان بين مغارة جعيتا التي تنتظر دخول «عجائب الدنيا السبع» الى تلفريك حريصا ووسط بيروت والمطاعم الجبلية، وسواها من المحطات التي كان لبعضها نصيب وافر من التصوير في أفلام الستينات المصرية يوم تدفق أصحاب الرساميل الى لبنان هرباً من التأميم الذي فرضته قوانين عبدالناصر الاشتراكية... ومثلما لم تكن هذه الأفلام أكثر من «قالب جبنة» تقاسمه سينمائيو مصر ونتج منه «سينما بلا هوية»، كما يقول الناقد إبراهيم العريس في كتابه المميز «الصورة الملتبسة، السينما في لبنان: مبدعوها وأفلامها»، أتت المشاهد السياحية في مسلسل «زهرة وأزواجها الخمسة» مجانية، وكأنها موجودة فقط لتمرير الحلقات الواجب أن تمتد على مدار الشهر الكريم. والمؤسف، انه بدلاً من أن يستغل كاتب السيناريو مصطفى محرم طبيعة لبنان الغنية والاستوديوات الطبيعية فيه لخلق حبكة درامية متماسكة تتماشى وجمال الصورة والألوان الذي يؤمنه التصوير في بلاد الأرز، اكتفى بأن تكون السفرة «شهر عسل» يمتد لأكثر من حلقة... ومع هذا، يُسجل لمخرج العمل محمد النقلي انه سيفتح الباب على مصراعيه أمام عودة المخرجين المصريين للتصوير في لبنان... بل قد يكون من إيجابيات هذه الجولة السياحية الطويلة انها ستُذكّر مخرجين آخرين بتضاريس لبنان الغنية، التي قد تغنيهم عن التصوير في أوروبا، وتوّفر عليهم أموالاً يمكن أن تستغل في مكان آخر... بعد هذا كله، تأتي الحلقة 25 لتفتح الباب أمام القطبة المخفية طوال الحلقات التي سبقتها. في هذه الحلقة أطل الفنان مدحت صالح بدور زوج «زهرة» الأول الذي كان طلّقها قبل أن يرجعها في محضر حمل توقيعها... كما برزت تهديدات زوجها الثالث «فريد» باتهامها ب «تعدد الأزواج». وهكذا أضحت بطلتنا على ذمة أربعة رجال: «جلال» الزوج الأول العائد إليها بعد سنوات طويلة في الغربة. «الشيخ فرج» (حسن يوسف) الذي طلّقها منه القانون إبان سجنه بتهمة تجارة المخدرات ثم عاد وحكم بعودتها إليه بعد إثبات براءته. «ماجد» (باسم ياخور) الذي ارتبط بها في الفترة التي فصلت بين الحكمين، و «فريد» (أحمد السعدني) الذي تزوجته بعد افتراض موت «الكابتن ماجد» في انفجار طائرة كان يقودها قبل أن يعود الى الحياة فاقداً الذاكرة... كل هؤلاء، في انتظار الزوج الخامس، كما يشير عنوان المسلسل. في الانتظار مع، اقتراب «زهرة وأزواجها الخمسة» من نهايته، قد تتوافر حكاية يمكن أن تحمل شيئاً من التشويق تنقذه من رتابة تثير الملل لدى المشاهد. ملل أحدثه السيناريو الذي أهمل فيه كاتبه مصطفى محرم طوال الحلقات الماضية جوهر قصته. فلم يركّز على فكرة «تعدد الأزواج» التي تثير تساؤلات كثيرة، وتفتح الباب واسعاً أمام جدال كان بإمكانه أن يخرج من الشاشة ويثير نقاشات طويلة... وكان من الواضح منذ البداية أن الكاتب الذي يسجل له في سجل إنجازاته مسلسل «الحاج متولي» (الرجل ذو الزوجات)، إنما أراد هنا أن يضرب عصفورين بحجر واحد: من ناحية يحاول استعادة أجواء «متولي» - من خلال أنثى هذه المرة -، ومن ناحية ثانية يحاول استعادة هذه الشخصية النسائية بعدما خيل إليه أن المخرج السينمائي مجدي أحمد علي «سرقها» منه بجعلها عماد فيلمه المميز «خلطة فوزية»... فكانت النتيجة حتى الآن على الأقل أن «زهرة وأزواجها الخمسة» لم يتميز إلا في المعالجة السطحية والاستخفاف بعقل المشاهد.