لا يزال ذلك المشهد الباعث على الشجن ماثلاً أمام عيني على رغم مضي سنوات طويلة على رؤيته. ذلك المشهد هو رؤية طفل مسلم في إحدى الدول الأفريقية يقلب «أكوام الزبالة» باحثاً عن قطعة خبز... أو بقايا أكل... وكنت وصديق معي قد خرجنا لتونا من المسجد بعد صلاة الجمعة في تلك المدينة الأفريقية... واقتربنا من هذا الطفل الذي كاد «الجوع» أن يلقي به أرضاَ...! وموقف آخر بالغ التأثير يستجلب الدمع وقد سمعته من أجلّ رجال الخير المسلمين هو الدكتور عبدالرحمن المسيط رئيس لجنة مساعدة مسلمي أفريقيا بالكويت رواه – قبل سنوات – في محاضرة له في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات في الرياض، عن أوضاع المسلمين في أفريقيا وعن الحال البائسة لكثير منهم في عدد كبير من الدول الأفريقية...! لقد روى هذا الموقف – ضمن مواقف كثيرة – وهو موقف يفتت قلب أقسى الناس، حتى ولو كان حجراً صواناً لقد روى أنه في إحدى رحلاته لتفقد أحوال المسلمين في إحدى الدول الأفريقية ومساعدة فقرائهم أنه في الليلة الأولى التي وصل إليها، نام في شقة استأجرها – وكان الجو قارس البرودة – ولما قام لصلاة الفجر ونزل إلى الشارع ماذا وجد؟ وجد رجلين ميتين عند باب العمارة من شدة الجوع وصلف البرد، يقول فهرعت إلى عمدة القرية أسأله واستفسر منه: كيف تم ذلك فقال عمدة القرية: لا تأس كثيراً هذا أمر طبيعي فكل ليلة يموت أكثر من هوؤلاء فهم ليس لديهم غذاء أو كساء أو مأوى ومثلهم – عشرات المئات – يقول الدكتور. السميط قلت: إننا جئنا لمساعدتهم فقال: تساعد من وتترك من؟ إن كنت تريد مساعدتهم ومساعدتنا فأهم شيء هو مساعدتنا في «حفر القبور» لأمثال هؤلاء إذ إن أهل هذه القرية لا يستطيعون «حفر القبور» لموتاهم لضعف بنيتهم وأمراضهم وعدم وجود الآلات التي تساعدهم على ذلك. تذكرت هذين المشهدين وأنا اقرأ وأسمع دعوات «الغرب» لنتخلى عن مساعدة وإنقاذ أمثال هؤلاء الجوعى من أطفال ونساء وشيوخ من إخواننا في العقيدة وفي الإنسانية في أفريقيا وفي غيرها! ترى عندما نتخلى عن هؤلاء، ولا نتصدق عليهم... ولا نرحم ضعفهم... ولا نسهم في التخفيف من معاناة عيشهم وإنقاذهم ترى من يقف معهم ويساعدهم وينقذهم؟! هؤلاء المسلمون الضعفاء الذين لا يملكون ضرورات الحياة فضلاً عن كمالياتها هل ندعهم يموتون ونحن قادرون على إنقاذهم.. إنه إذا كان «الغرب» ينقم علينا مساعدتهم ويريد منعها عنهم، فمن يحاج الله عنا أمامهم يوم القيامة؟! إنني لم أجد أغرب من هذا الاتهام! هل بلغ الأمر بالغرب وصناع القرار فيه ووسائل إعلامه أن يسعى إلى إيقاف جداول الخير عن المحتاجين إليه في العالم الإسلامي والعالم بأسره! هل إطعام جائع، أو إنقاذ مريض، أو كسوة عارٍ يمكن أن يوصف أو يوصم بالإرهاب! هل بلغ الخوف بالغرب أن يسكن الرعب حتى من «دولار» يدفع من أجل مسح دمعة يتيم، أو نزع آهة بائس أو تخفيف أنّة مريض...! إنني لأعجب من انقلاب المفاهيم! أين حقوق الإنسان التي يتنادى لها ومن أجلها أهل الغرب والشرق، وأهل الغرب بخاصة!هل حقوق الإنسان مقصورة على أن يسكن الإنسان الغربي في قصر، والآخر المسلم أو من العالم الثالث يسكن في قبر. وهل حقوق الإنسان تقتضي أن يأكل الإنسان الغربي أو الشرقي «الكافيار»، ولا يجد فقير مسلم في هذه الدنيا رغيفاً يسد به خواء الأمعاء. والسؤال الأهم! هل ذهاب «دولار» – خطأ – إلى غير سبيله الخيري في الماضي يجعلنا نوقف عمل الخير، ونظل نتفرج على بؤساء المسلمين يموتون فقراً أو مرضاً أو عرياً أو تجمداً أو إهمالاً. ترى عندما تسقط طائرة عن طريق الخطأ والخلل... هل يتم منع كل الطائرات، وإيقاف النقل الجوي؟! وهل عندما يقع خطأ في جراحة في القلب هل يتم ترك الناس يموتون بأمراض خشية أن يقع خطأ عند إجراء جراحة قلب لمريض آخر؟! إن معالجة الخطأ لا تعالج بخطأ أكبر! وإن وقوع خطأ في عمل الخير يجب ألا يمنع جداول الخير. إن المعالجة لوقوع الأخطاء تكون بالحكمة والعقل والمراقبة، والتأكد – بكل الوسائل – أن التبرعات تذهب إلى طريقها الخيري والإغاثي. * عضو مجلس الشورى.