هل يمكن معرفة ليلة القدر؟ ورد أن عائشة رضي الله عنها قالت للرسول صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن علمت ليلة القدر ما أقول فيها؟ هل يعني هذا أن الشخص يعرف ليلة القدر بظهور علامات يعرفها بها؟ وهل ورد أن الصحابة كلهم شاهدو ليلة القدر؛ لعظم مكانتهم وعبادتهم وشأنهم عند الله؟ وإذا لم يكن كذلك فمن باب أولى نحن لن نرى هذه الليلة؟ - الحديث المشار إليه في السؤال أخرجه الترمذي (3513)، وابن ماجه (3840)، من طريق كهمس بن الحسن عن عبدالله بن بريدة عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: «قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني»، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ومقصود عائشة –رضي الله عنها– والله أعلم أنها إذا تحرت ليلة القدر، فعرفتها عن طريق معرفة علاماتها، أو أنها رأتها في المنام ماذا تقول فيها. فقد حصل لبعض الصحابة -رضي الله عنهم- أنهم أُرُوا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر. فأرشدها النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تقول هذا الدعاء. ولا يلزم أن تكون عائشة –رضي الله عنها– عرفت ليلة القدر على سبيل القطع، فقد ورد عنها في نفس الحديث عند المروزي أنها سُئلت عن ليلة القدر فقالت: «لا أدري أي ليلة ليلة القدر، ولو علمت أي ليلة ليلة القدر ما سألت الله فيها إلا العافية». وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على تحري ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، لا سيما أوتار العشر، وآكدها ليلة سبع وعشرين، ففي حديث عائشة –رضي الله عنها–: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ»، وقال صلى الله عليه وسلم: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ»، [أخرجه البخاري (2020)، ومسلم (1169)]، وفي حديث أُبي بن كعب -رضي الله عنه-: «أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَنْ قَامَ السَّنَةَ أَصَابَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَقَالَ أُبَيٌّ: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّهَا لَفِي رَمَضَانَ يَحْلِفُ مَا يَسْتَثْنِي وَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيُّ لَيْلَةٍ هِيَ هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِيَامِهَا هِيَ لَيْلَةُ صَبِيحَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ....» [أخرجه مسلم (762)]، وعن ابن عمر –رضي الله عنهما-: «مَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا فَلْيَتَحَرَّهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ». والذي دلت عليه الأحاديث أنها تنتقل في ليالي العشر، ومن قام العشر الأواخر من رمضان، واجتهد فيها إيماناً واحتساباً فقد وفق لقيام ليلة القدر، ونال الثواب والأجر المرتب لمن قامها لا يلزم منه أن يكون علم بها. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض علامات ليلة القدر منها في صحيح مسلم عن أبي بن كعب «أن الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاع لها»، وفي رواية لأحمد من حديثه «مثل الطست» ونحوه لأحمد من طريق أبي عون عن ابن مسعود وزاد «صافية»، ولابن خزيمة من حديث ابن عباس مرفوعاً «ليلة القدر طلقة لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة». ولأحمد من حديث عبادة بن الصامت مرفوعاً» أنها صافية بلجة كأن فيها قمراً ساطعاً، ساكنة صاحية لا حر فيها ولا برد، ولا يحل لكوكب يرمى به فيها، ومن أماراتها أن الشمس في صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر، ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ» ولابن أبي شيبة من حديث ابن مسعود أيضاً «أن الشمس تطلع كل يوم بين قرني شيطان، إلا صبيحة ليلة القدر». والله أعلم الدكتور محمد بن عبد الله القناص عضو هيئة التدريس في جامعة القصيم