أصبحت الصور الثابتة والمتحركة في ظل التطور السريع واللا متناهي لوسائل الاتصال والإعلام الجديد هي الأسهل انتشاراً والأكثر تأثيراً في العديد من المجتمعات، فالواقع اليوم يؤكد أن هذا العصر هو «عصر الصورة»، حيث ساهم تطور أدواتها وإمكانات إنتاجها ومنتجتها في سهولة وصولها للمتلقي الذي بات يهوى ويفضل مشاهدتها بشكل أكبر من النصوص المكتوبة، ونظراً لكون المتلقي أكثر تصديقاً وإيماناً بالصور التي بالامكان أن يراها بعينه، فإن إيصال أو ترسيخ «إيديولوجية» أو فكر معين قد يكون ذا فاعلية أكبر باستخدام صور منتقاة بعناية تؤثر بشكل جذري على وصف الحدث وموضوعيته ومصداقيته. «الرياض» تناقش في هذا التحقيق حجم وتأثير حيادية و»أدلجة» الصور الثابتة والمتحركة في مواقع التواصل الاجتماعي، فخرجنا بالحصيلة التالية: «لا يضحكون عليك» بأفكار تخدم توجهاتهم ونفوسهم المريضة على حساب وعيك.. ووطنك صور كمية في البداية أوضح «د. فهد الطياش» -أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود- أن الأرقام تشير إلى كم هائل من الصور الرقمية المتداولة بين الناس، إذ انتقلت الكاميرا تدريجياً من أيدي المصورين المحترفين إلى أيدي الناس العاديين، وهنا مكمن أهمية الصورة؛ فهي لم تعد الصورة الاحترافية ذات البعدين الدلالي والجمالي، وإنما أصبحت بالدرجة الأولى ذات بعد واحد هو البعد الدلالي المتمثل في تصوير قصص الناس في مختلف الأحوال»، مضيفاً أن كل صورة تحمل معها قصة إنسانية تختصر الزمن الدلالي للزمان والمكان، مستشهداً في ذلك بالكم الهائل للصور في موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك». د. الطياش: تحميل ما لا يقل عن 250 مليون صورة يومياً على مستوى العالم وقال:»يتم تحميل ما لا يقل عن (250) مليون صورة يومياً على مستوى العالم، أيّ ما يعادل (6) بلايين صورة في الشهر الواحد»، موضحاً أنه يوجد في موقع «فيس بوك» ما يقارب (90) بليون صورة، مما يعني أن المتلقي لو أعطى من وقته ثانية واحدة لكل صورة فإن ذلك سيستغرق منه (47) سنة، مؤكداً على أن الكم البصري الذي يأتي من الغير أكثر بكثير من الكم الصادر عن الذات، مشدداً على أهمية دور السياج الثقافي والتربوي الذي يحيط بالفرد، مبيناً أنه كلما كان هذا السياج ضعيفاً أو مليئاً بالثغرات فإن الولوج إلى من بداخله بات أمراً سهلاً. د. القرني: الخوف من «تضليل الجمهور» للكسب الذاتي والافتراء كذباً على الواقع وأضاف أن الصورة هي أهم ركائز عالم الإعلامي المرئي؛ إذ أنها تحكي الواقع أو زاوية من الواقع أراد الإعلام أن نراها دون غيرها، مضيفاً أن ال»أيديولوجيا» عبارة عن منظومة من المعاني التفسيرية المستقاة من مصادر محددة لتفسير العالم من حولنا، موضحاً أن تفسيرنا لصورة «مؤدلجة» يختلف باختلاف عين المصور وعين المشاهد، إذ أن صورة المناضل ربما تكون في عين المشاهد صورة الإرهابي، كما أن صورة الشهيد قد تتحول في عين آخر إلى صورة قتيل. وأشار إلى أن خطورة التأثير البصري للصورة المؤدلجة يأتي من تفسير محتوى الصورة وفق معيار تصور الواقع، مضيفاً أن التأثير الحقيقي للصورة وغيرها من النصوص الإعلامية المختلفة بصرياً تتمثل فيما يطلق عليه عالم النفس الاجتماعي «ايرفنق قوفمان» بعملية «التأطير»، موضحاً أن هذه العملية تعني وضع حدود لجوانب الأهمية البصرية وإخراج غير المهم؛ لذا بتنا نتعايش مع صور واقعنا الخارجة من أجهزة المونتاج أو المعالجة البصرية من خلال برامج ال»أدوبي» المختلفة، مؤكداً على أن حجم «أدلجة» الصورة قد يأخذ أبعاداً خطيرة تمس الأفراد والدول والمؤسسات، بل وحتى العقائد، مستشهداً في هذا الشأن بعملية إنكارنا على «الغرب» نشر الصور المسيئة لنبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم-، فإذا ببعض أبناء «العرب» يسارعون بنشرها بحجة التسفيه، مشيراً إلى أن ذلك يعني أن حيلة صانع الصورة أو «مؤدلجها» قد انطلت على المتلقي الفردي والمؤسسي. د. الشهري: تحمل رسالة صراع وهي ترويج للأفكار التي لا تكون سلبية دائماً.. عصر الصورة وأوضح «د. فايز الشهري» -عضو مجلس الشورى، وأستاذ الإعلام الجديد- أن المثل القائل: «الصورة تغني عن ألف كلمة» ظهر في العشرينيات من القرن الماضي، حيث لم تكن الصورة المتحركة والملونة حاضرة في وسائل الإعلام كما هي عليه اليوم، مشيراً إلى أن عدم تجاهل قوة تأثير الصورة في ذهن المتلقي نتج عنه ظهور مسميات عدة من بينها «عصر الصورة» الذي يأتي وصفاً لقوة حضور الصورة في حياتنا المعاصرة وتأثيرها التراكمي، لافتاً إلى أن الصور المتداولة سلبية كانت أم إيجابية تعزز الفكرة التي يتبناها من وضع الصورة؛ لذلك تتغير الأزياء ويرتدي المراهقون وبعض النساء ملابس غريبة أحياناً بتأثير تكرار عرض صور المشاهير الذين يتبنون إطلاق خطوط الموضة، والتأثير في ذائقة وسلوك الجماهير ضمن صناعة محترفة وضخمة تقف وراءها مؤسسات وخبراء في علم السلوك والإقناع وفنون التأثير. د. الصالح: «الصور المفبركة» تجذب المتلقين وتنتشر بشكل سريع في المواقع صناعة الصورة تبقى في الذاكرة ولكن لا تشبه الواقع كثيراً وقال إن الصورة أياً كانت حينما تظهر عبر وسائل الإعلام فإنها تؤدي وظيفة مرسومة لها ورسالة يتوخاها مرسل ومنتج هذه الصورة، مضيفاً أن القيمة الجمالية هنا قد تكون غاية وقد تكون الغاية إحداث أثر نفسي ما؛ لذلك نجد أن خبراء الصورة الذهنية يضعون الصورة في مقدمة الوسائل التي يستخدمونها للترويج لمنتج أو شخصية ما بالشكل المراد الوصول إليه، موضحاً أن معنى عبارة «الصورة المؤدلجة» لا يفترق عن ما نعنيه بالتأثير، سواءً كان فنيا أو إيديولوجيا «فكريا»، وأحياناً تجاريا استهلاكيا، مشيراً إلى أن الإرساليات التبشيرية النصرانية في إفريقيا وآسيا أبدعت في توظيف الصورة بين تلك المجتمعات شبه الأمية؛ للتعويض عن الصعوبات الاتصالية وحواجز اللغة. وأشار إلى أننا لو نظرنا إلى رسام «كاريكاتير» أو أيّ صحيفة أو مجلة أو وسيلة أو حتى فرد في عصر وسائل الاتصال الشخصي الآن لوجدنا أن من يتبنى خطاً فكرياً معيناً سيُركز في الضخ اليومي لرسائله على هذا الخط، سواءً بإنتاج صور تدعم مواقفه أو انتقاء أو إعادة توزيع صورة تصب في مجرى الاتجاه الفكري الذي يتبناه، مؤكداً على أنه ليست كل «أيديولوجيا» سلبية إذا أخذنا المعنى الشامل للمفهوم، ولا بد أن نُقر أن هناك معنى إيجابيا للأدلجة في تعميق المعتقد الذي تؤمن به المجتمعات ونشر الأفكار وحتى في المفهوم العام من خلال الدعوة إلى -الله عز وجل-، أما المعنى السلبي للأدلجة الذي نراه على الساحة الإعلامية ووسائل الإعلام الاجتماعي اليوم فهو التربص بالخصوم الفكريين وتوظيف الوسائل والوسائط لنشر عوراتهم وأسرارهم، وبالتالي صرف الناس عنهم أو إظهارهم بصور سلبية للتأثير في نفسيات الجماهير. الصور المفبركة أكثر تأثيراً وانتشاراً صور مفبركة وأكد «د. الشهري» على أن «الأدلجة» تكون أسوأ في الصراعات السياسية بين التيارات والأحزاب، إذ تظهر الصور المفبركة أو المختلسة وتنتشر بقوة بين الأنصار هنا وهناك، مضيفاً أن الناس راقبوا صراع الديوك في الأحداث العربية من خلال تسريب الصور واللقطات بين الفئات المتصارعة على حساب هدوء وطمأنينة الشارع العربي، موضحاً أنه يبدو في الوضع الحالي أن المحتوى الطاغي على شبكات التواصل الاجتماعي هو في مجال «الأدلجة» السلبية والصراع الفكري، مشيراً إلى أن مظاهر الحوار والنقاش غائبة، كما أن المفهوم الرباني في «تعالوا إلى كلمة سواء» انقلب بكل أسف إلى مفهوم عجيب يمكن وصفه عند غلاة التيارات تحت شعار «تعالوا إلى كلمة سوء» ينادي بها كل أنصاره وخصومه. تضليل الجمهور وأوضح «د. علي القرني»-رئيس الجمعية السعودية للإعلام والاتصال- أن الصورة الثابتة والمتحركة تلعب دوراً محورياً في الرسالة الإعلامية، فالصورة كما قيل أهم من ألف كلمة، ولكن نرى أن الصورة أهم أحياناً من آلاف الكلمات، بل قد تعادل الصورة أكثر من ذلك، كما أن لها تأثيرها الكبير على مجريات الأحداث التي تقع فيها هذه الصورة. وقال: «نشاهد أن وسائل الإعلام الجديد بشقيه الإنترنت والهواتف الذكية تعج بالكثير من الصور عن الكثير من الأحداث التي تدور حولنا وفي محيطنا الاجتماعي»، مضيفاً أنه على الرغم من وجود صور ايجابية نستفيد منها، إلاّ أن هناك الكثير من الصور التي يتم فيها تضليل الجمهور وتحويلها إلى زوايا مختلفة عن واقع تلك الأحداث. وأضاف أن شبكات التواصل الاجتماعي وفرت زخماً كبيراً للجماعات والتيارات التي تعيش في المجتمع وربما لا تصل إلى وسائل الإعلام الرسمية، حيث أصبح لها متابعوها ومواقعها الخاصة وباتت تشكل شبكات تواصل بين مؤيدي مثل هذه التيارات، سواءً كانت تقف على اليمين أو على اليسار، وسواء كانت اهتماماتها سياسية أو اجتماعية أو غير ذلك، موضحاً أن هذه التيارات توظف كل موضوع أو صورة أو تعليق أو مقال في خدمة مصالح تلك التيارات، ومن هنا يحدث التضليل في كثير من الأحيان. وأشار إلى أن أهداف مثل هذه التيارات قد تكون مذهبية تسعى إلى تكريس الخلافات المذهبية، أو سياسية تسعى إلى زرع الفتن وتسييس الأحداث والتشويش على النظام الاجتماعي والسياسي، أو اجتماعية تهدف إلى دعم ممارسة اجتماعية معينة لا تتفق مع رؤية المجتمع وتقاليده. قراءة الصورة وأكد «د. منصور الصالح» -الأستاذ المساعد في أمن الشبكات والإنترنت- على أن ما يميز الصور الثابتة والمتحركة عن النص المكتوب أنها تكون من وجهة نظر معظم المتلقيين أكثر مصداقية، وذلك لأن الناقل يستطيع إيصال الصورة كما هي ولا يحتاج للاجتهاد بالوصف أو الشرح الذي قد لا يكون دقيقاً أو يتأثر بأفكار وثقافة الناقل إما بشكل عفوي أو عن قصد، مضيفاً أن طريقة وصف الصورة تلعب دوراً كبيراً في طريقة قراءة الصورة من قبل المتلقين لها، مشيراً إلى أن اهتمامات وطريقة استيعاب واستنتاجات المستقبل للصور تتأثر بشكل مباشر بثقافة المتلقي وأسلوبه التحليلي، وبالتالي قد فإن الصورة قد تُقرأ بشكل مختلف حسب المتلقي. وقال إن تأثير «أدلجة» الصورة أصبح أكبر، وذلك لسهولة انتشارها حالياً عبر الهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعية، بل إن شرائح المجتمع الأكثر تأثراً -الأطفال والمراهقين- أصبحت عرضة لها أيضاً، موضحاً أن عدد مستخدمي شبكة التواصل الاجتماعي «تويتر» في «المملكة» يتجاوز ال(3) ملايين مستخدم، أما في شبكة التواصل الاجتماعي «فيسبوك» فقد تجاوز ال(5) ملايين طبقاً لموقع «قلوب ويب إندكس»، مشيراً إلى أن معظم مواقع التواصل الاجتماعي تتيح للمستخدمين إمكانية تبادل الصور والاحتفاظ بها بسهولة، لافتاً إلى أن هذه الإمكانات التقنية جعلت الصور أكثر تداولاً وتقبلاً بين المستخدمين؛ نظراً لأنها توفر الوقت في نقل واستقبال حدث أو فكر معين مقارنة بالنص المكتوب. وأشار إلى أن بعض البرمجيات توفر إمكانية تعديل الصور بشكل سهل، مشيراً إلى أنه يتم استخدام برنامج «فوتو شوب» في أغلب مجلات الأزياء لإظهار الصور بشكل مغاير للواقع، إلى جانب استخدامه في العديد من الإعلانات؛ لإيصال فكرة معينة للمتلقي بغض النظر عن صحة الصور المستخدمة أم لا، لافتاً إلى أن الصور المفبركة التي يستخدم برنامج «فوتو شوب» لعملها تجذب الكثير من المتلقين وتنتشر بشكل سريع وهائل، في ظل رغبة الكثير من المتلقين في البحث عن الأشياء الغريبة عادة.