لا تُذكر مجلة «الأسبوع العربي» من دون أن يُذكر اسم الصحافي اللبناني ياسر هواري. هو الذي ساهم في إطلاقها عام 1959، عندما عهد إليه ناشر المجلة رجل الأعمال جورج أبو عضل برئاسة تحريرها، وهو لم يزل في الثلاثين من العمر فقط. وكان اسم هواري لمع سابقاً عندما استعان به عميد «دار الصياد» سعيد فريحة ليؤسس له مجلة «الشبكة» الفنية عام 1956. فاستطاع هواري أن يسجل للمجلة توزيعاً قياسياً وصل في حينه إلى 20 ألف نسخة أسبوعياً. لكن تجربة «الأسبوع العربي» صقلت موهبة الصحافي الشاب والطَموح، الذي تخرّج في كلية الصحافة في لندن عام 1955. فجاء حاملاً معه معايير مهنية لم تكن مُتَّبعة في الصحافة اللبنانية والعربية من قبل، إذ اعتمد مكافأة عالية للموضوع الصحافي الجيد، بصرف النظر عن اسم الكتاب. وراح يدفع للمتعاونين (بالقطعة) وفق عدد الكلمات، على الطريقة الغربية. أما لجهة الأسلوب، فأعطى هواري الصورة موقع الصدارة في أي موضوع صحافي، معتمداً في ذلك نموذج مجلة «باري ماتش» الفرنسية الشهيرة. وتقدمت التقارير المعمقة والتحقيقات الاستقصائية والميدانية المصورة على الإنشائيات التي كانت سائدة في الصحافة العربية تلك الأيام. وهكذا، أحدث هواري «ثورة» في عالم المجلات السياسية. وكان نجاح «الأسبوع العربي» مدوياً في سنتها الأولى، إلى درجة أنها تخطت السوق اللبنانية، وراحت «تغزو» الدول العربية حتى بلغ توزيعها في السنوات اللاحقة أرقاماً قياسية. وذلك بفضل فلسفة التحرير الإبداعية لرئيس تحريرها الذي غادرها بعد 13 سنة، ليطلق في العام 1973 مجلة «الديار» الأسبوعية التي نقل فيها ملكية المطبوعة من فرد إلى شركة يساهم فيها المحررون والإداريون مالياً بشرائهم الأسهم. وكانت تلك خطوة غير مسبوقة في لبنان على صعيد المجلات الأسبوعية. لكن تجربة «الديار» لم تستمر سوى 18 شهراً، إذ توقفت عن الصدور إثر تفجير مكاتبها في أواخر العام 1974، قبل 4 أشهر على اندلاع الحرب اللبنانية. غادر هواري لبنان عام 1976، مع زوجته وأطفاله الأربعة، وتوزعت غربته بين أوروبا والخليج العربي... إلى أن استقر في باريس التي وجد فيها فرصته الحقيقية. فأطلق مجلة «كل العرب» الأسبوعية عام 1982، ثم مجلة «أرابيز» الشهرية عام 1987. وبعد نحو عشر سنوات أنشأ مؤسسة «ميديا كويست» الصحافية التي راحت تصدر عدداً من المجلات المتخصصة الناجحة باللغات الثلاث (العربية والفرنسية والانكليزية). وعهد بإدارتها لاحقاً إلى ولديه، جوليان وألكسندر، اللذين حملا «شعلة» والدهما ليُكملا مسيرته بنجاح. شكلت تجربة ياسر هواري (1929 – 2014) المهنية، طوال 58 سنة، «علامة فارقة» في صناعة المجلات العربية، إدارةً وتحريراً وإخراجاً، بفضل رؤيته العصرية التي سبقت جيله. ولعل مرحلتة في «الأسبوع العربي» كانت الأساس المتين الذي بنى عليه مداميك تجاربه الناجحة لاحقاً. ومن المفارقة أن يرحل «المعلم» أخيراً، عن 85 سنة، بالتزامن مع توقف «الأسبوع العربي» عن الصدور... ورقياً.