قبل 55 سنة صدر في بيروت العدد الأول من مجلة «الأسبوع العربي». شكّل صدورها عام 1959 حدثاً في دنيا الصحافة الأسبوعية، لبنانياً وعربياً، إذ سرعان ما تحوّلت مرجعاً بالنسبة إلى القراء العرب على صعيد متابعة الحوادث السياسية، بما تتضمّنه من تحقيقات وتحليلات لنخبة من المفكّرين والصحافيين. وبعد نحو خمسة عقود ونصف العقد من الصدور المنتظم، ودّعت المجلة أكشاك بيع الصحف والمجلات... لتتحوّل موقعاً إلكترونياً، وتلحق بركب عدد من المجلات الأسبوعية العربية والعالمية. لكن ذلك لا ينذر بأي سوء، إذ اختارت المجلة أن تواكب التغيير الذي يطرأ على الصحافة الورقية في العالم، من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة للوصول إلى القرّاء، على رغم أن عدداً كبيراً من هؤلاء لا يزالون يفضلون أن يحملوا مجلتهم المفضلة بين أيديهم وتلمّس أوراقها وقراءتها صباح كلّ يوم جمعة. عوائق التوزيع كان قرار الاستمرار في الصدور الورقي صعباً بالنسبة إلى مجلة «الأسبوع العربي» التي تصدر عن شركة «غروب ماغازين» المتخصصة في النشر الصحافي، لكن كان لا بد من حسم الخيار بالانتقال إلى الإنترنت نهائياً. ووفق إدارة الشركة، فإن «الأسبوع العربي» كانت توزع من نسختها الورقية في السنوات الماضية نحو أربعين ألف نسخة أسبوعياً في مختلف الدول العربية، ما يُعد جيّداً مقارنة بتوزيع المجلات الأسبوعية السياسية العربية الأخرى في المنطقة. غير أنّ المشكلة الرئيسية، بحسب مدير تحرير المجلة إلياس معلوف، كانت في التوزيع بعد بدء الثورات العربية، إذ ارتفعت عوائق أمنية جديدة تمنع وصول المجلة إلى عدد من الدول العربية، فانعكس الأمر تراجعاً في التوزيع، ما أثر حتماً على الوضع المالي للمجلة الذي أصبح متأزماً خلال الفترة الأخيرة. من هنا، قررت إدارة الشركة في العام 2013 أن تصدر المجلة ورقياً وعلى الإنترنت. «وخلال هذه السنة التجريبية، تمّ التأكد من الإقبال الكبير على النسخة الإلكترونية... لتتخذ إدارة المجلة القرار بالانتقال نهائياً إلى الإنترنت في مطلع العام الجاري»، كما يقول معلوف، مؤكداً أنه «لم يتغيّر شيء أبداً من ناحية التحرير»، لا بل أتت نتائج قرار الانتقال ممتازة، لأنّ عدد القراء ارتفع، خصوصاً لدى فئة الشباب الذين لم يعتادوا سابقاً على التوجه إلى المكتبات لشراء المجلة. وهكذا تجاوزت «الأسبوع العربي» عائق التوزيع من دون أن تخسر شيئاً من قيمتها الصحافية، بحسب معلوف، لأنّ فريق العمل ما زال نفسه وتمكن القارئ متابعة كلّ الأخبار السياسية والتحليلات والتحقيقات الخاصة عبر الموقع الإلكتروني. ويرى مدير التحرير أنّ المجلة الإلكترونية سمحت بفتح أبواب جديدة والكتابة عن مواضيع متنوّعة أكثر فأكثر، بالإضافة إلى إمكان التواصل المباشر مع القراء ومعرفة آرائهم وتعليقاتهم. ويمكن تلمّس هذا التغيير عند دخول الموقع الإلكتروني الخاص بالمجلة، إذ نجد قسمي السياسة والاقتصاد ثابتين في مكانهما، لكن هناك أيضاً أقسام التكنولوجيا والثقافة والفنّ والرياضة. لذا، ينصح معلوف سائر الوسائل الإعلامية الورقية بأن تجاري التطوّرات التكنولوجية وتغيّرات العصر، وإلا وقعت أسيرة الأزمات المالية وعدم القدرة في الوصول إلى مختلف فئات القرّاء الذين يتّجهون اليوم إلى الإنترنت أكثر فأكثر لقراءة المواضيع التي تهمّهم. لا منافسة مع المواقع الإلكترونية ثمة مخاوف ترافق انتقال أي مطبوعة من النسخة الورقية إلى الإنترنت، كالمنافسة بينها وبين المواقع الإلكترونية التي تواكب الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سرعة وتعمل على تدفّق الأخبار ساعة بساعة، فهل تستطيع مجلة مثل «الأسبوع العربي»، المعروفة بمعالجتها الهادئة والرصينة للحوادث، أن تثبت ذاتها إلكترونياً في ظلّ وجود عشرات المواقع الإلكترونية التي تتسابق على السرعة؟ يجيب معلوف أنّ مجلة «الأسبوع العربي» ليست موقعاً إلكترونياً إخبارياً، وإنما مازالت تعتمد مفهوم المجلة (الأسبوعية)، لكن من خلال حضور إلكتروني على شبكة الإنترنت. وبالتالي، فإنّ طريقة المعالجة لم يتغيّر، لجهة تحليل الحوادث والخروج بتقارير وتحقيقات موضوعية ورصينة. وبالنسبة إلى معلوف، فإنّ من يدخل إلى الموقع الإلكتروني الخاص بالمجلة يبحث عن تحليلات وقراءات عميقة للوقائع السياسية والأمنية، وهذا الدور الذي ستثابر مجلة «الأسبوع العربي» على القيام به. وهكذا، تنسجم تجربة «الأسبوع العربي» مع ظاهرة إقفال المجلات الورقية نهائياً أو نقلها إلى العالم الرقمي. وكانت هذه الظاهرة انتقلت إلى المنطقة العربية قبل سنوات، مع إغلاق عدد من الصحف والمجلات بسبب تراجع عدد القراء، ما انعكس هبوطاً حاداً في العائدات الإعلانية التي تشكل عصباً رئيساً لأي مطبوعة. وفيما يصف محبّو الورق هذه الظاهرة بأنّها «ورقة نعوة» للصحافة ذاتها، فإنّ القائمين على المجلات يعتبرونها تحوّلاً لا بدّ منه لكي يستمر الصحافيون في عملهم، وقراراً بديلاً لإقفال المجلة أو الصحيفة في شكل كامل.