فرضت الإشاعات وحالة الذعر التي انتشرت في محافظة جدة خلال الآونة الأخيرة من فايروس «كورونا» نفسها على منبر الجمعة، وذلك في خطوة تعتبر الأولى من نوعها باعتلاء عميد كلية الطب في جامعة أم القرى الدكتور أنمار ناصر منبر مسجد تجار جدة أول من أمس، وإلقائه خطبة عن الفايروس في أحد مساجد المحافظة. وتأتي هذه الخطوة بكسر العرف لدى المجتمع من طبيعة الخطاب الديني، إذ من المألوف والمتعارف عليه مناقشة أمور لا تتعلق بالمشكلات اليومية من الخطيب، إلا أن انتشار حالة الذعر بين المجتمع من فايروس «كورونا» جعل خطبة الجمعة تأتي من رجل متخصص في مجال الطب على غير العادة التي اقتضت رجلاً متخصصاً في العلوم الشرعية. دور منبر الجمعة من أهم الأدوار التي تؤثر على المجتمع، كما يرى عميد كلية الطب في جامعة أم القرى الدكتور أنمار أنعم ناصر خلال حديثه إلى «الحياة»، إذ لابد أن يخاطب ويناقش المشكلات اليومية التي تمر عليهم، مؤكداً أن ذلك ديدن انتهجه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في خطبه كافة، إضافة إلى أن الدين الإسلامي هو الحياة وليس هناك فصل بينهما. واعتبر أن الفصل بين الدين والحياة خلل في نمط حياة المجتمع، إذ يجب إعادتهم إلى ما كان عليه في السابق، مبيناً أن قضية فايروس «كورونا» لها كثير من المعاني التي تتطلب وجود المتخصص على المنبر لإيضاحها للناس. وأضاف ناصر: «حاولت في خطبة الجمعة الربط بين آخر المعلومات التي توصلنا إليها علمياً في الفايروس، بقواعد أساسية تعاملنا معها في الشرع الحنيف وتحقيق الأهداف الوقائية من الفايروس، والتوقف عن تداول الإشاعات والتأكد من المعلومة الصحيحة، إضافة إلى الحديث عن طرق العدوى بالمرض وطرق الوقاية منه علمياً والأخذ بالحيطة والحذر، وحث الناس على العمل وعدم التوقف عن أداء عملهم نتيجة الخوف من الإصابة بالمرض». وفي ما يخص مشاركة المتخصصين في إلقاء خطب الجمعة وعدم احتكارها على عالم الدين الشرعي في العلوم الشرعية فقط، دعا الدكتور ناصر إلى عدم منع المتخصصين من اعتلاء المنبر والحديث في شؤون الناس والمجتمع، مبيناً أنه ليس هناك ما يمنع من مشاركة المتخصصين في التخصصات كافة بإلقاء الخطب التي تحاكي هموم الناس وواقعهم، سواء كانت اقتصادية، أم تنموية، أم تعليمية. وقال: «إن المجتمع الإسلامي في السابق ناقش على منبر الجمعة شتى مجالات الحياة بخطب العلماء، وعلى المتخصصين أن يجمعوا بين العلوم الشرعية والعلوم الكونية، وأنا ضد الفصل بينهما، لأن جمعهما يصب في حاجات الناس ويجب أن يخالطهما الإخلاص والأمانة في الطرح والتوعية». وأشار إلى أنه كان خطيباً سابقاً، إلا أن العمل الأكاديمي في كلية الطب جعله يتوقف عن إلقاء الخطب، كما أنها المرة الأولى التي يلقي فيها خطبة الجمعة بعد انقطاع طويل استمر أعواماً كثيرة، لافتاً إلى أن تخصصه في الطب فرض عليه اعتلاء المنبر والتحدث تطوعياً بصفة المتخصص عن الفايروس القاتل، ولم يكن بطلبٍ من المسؤولين. وأكد أن خطبة الجمعة لاقت استحسان الكثير من المصلين البالغ عددهم 300 مصلٍ، واستهدافها أهاليهم والمجتمع الخارجي كافة، مضيفاً: «ركزت في الخطبة على توعية الناس بالفايروس وأخذ الحيطة والحذر، والتطبيق العملي في كيفية التعامل مع الفايروس حتى يتم لقاؤهم في الأسبوع المقبل في خطبة أخرى». وتطرق الخطيب عميد كلية الطب في جامعة أم القرى إلى استيضاح أنواع الابتلاء الذي يحدث بسبب الأمراض، خصوصاً الأطباء والممارسين الصحيين مثل الممرضين، معتبراً أن لكل عمل ضريبة، وعليهم الصبر لممارستهم هذا العمل والمخاطرة والاحتساب عندالله والعمل في مساعدة الناس والذي يمثل ربط الدين بالحياة.