تدور الطائرات الحربية في شكل لولبي، ليغدو الناظر إليها وكأنه في دوامة لا تتوقف إلا أمام زهرة حمراء، فيكتشف في هذه اللحظة «أثر الزهرة»، عنوان العمل الذي ينظر إليه. وفي عمل آخر، نرى وجه امرأة تصرخ في عمق الحركة الدائرية للطائرات الحربية، لتفجّر بصرختها كل الطائرات التي تقترب منها... ليست الفرشاة والألوان وحامل اللوحة هي الأدوات التعبيرية للفنان السوري المقيم في باريس أحمد علي الذي تخرّج من كلية الفنون الجميلة في دمشق عام 2007، بل يسعى وراء تقنيات وأدوات تقنية جديدة لينتج من خلالها عمله الذي يراه امتداداً بتقنياته لأدوات الفن الحديث والمعاصر. وهنا يؤكد أن «الفن التشكيلي ليس مفصولاً عن الفن الحديث أو عن التقنيات والتكنولوجيا الحديثة، بل على العكس هذه التقنيات الحديثة أصبحت أدوات في كثير من مجالات الفن التشكيلي». ويضيف: «إنها أدوات مثلها مثل الفرشاة والألوان، وأنا أحاول الاستفادة وإن قليلاً من هذا الكم الهائل من الأدوات الحديثة ومزجها بأدوات أخرى تقليدية لإنتاج عملي البصري». يعتمد علي التجريب مازجاً فنوناً بصرية مختلفة وحديثة في عمله، كالفوتوغرافيا وتقنيات برامج الكومبيوتر والغرافيك والفيديو. وهو حاصل على الجائزة الأولى لملتقى الفنانين الشباب عام 2008 في فن الفيديو في معرض قزح - دمشق، إضافة إلى جائزة أفضل عمل في مسابقة حول العلاقة بين الفن الإسلامي التقليدي والفن المعاصر عام 2010 في المتحف الوطني في دمشق. ويبدو الاستناد إلى الخداع البصري كجزء أساسي في العمل أداة طيعة لدى علي الذي يوضح أنه يعمل منذ أكثر من سبع سنوات على فن خداع البصر (Optical illusion art) وتقنياته، معتمداً ذلك «وسيلة للتعبير». ويقول: «أحاول مزج هذه التقنيات للوصول إلى لغة بصرية تعبر عني وتعكس ما أريد قوله، إذ أن التقنيات الحديثة ووسائل الاتصالات أصبحت جزءاً من الثقافة اليومية وموجودة في كل مكان، وهي تطوّر طبيعي ومنطقي في الحياة وفي الفن أيضاً». ضمن الخداع البصري ذاته، تدور البراميل كعاصفة لتتحدث عن تلك البراميل التي تلقيها طائرات النظام السوري على المدنيين، ضمن خلفية لونية حمراء ليكون عنوان اللوحة «سقوط حر»، وتتكرر فيها البراميل كما تكررت الطائرات في أعمال أخرى. ويشرح علي هنا: «أعتمد تكرار العناصر البصرية بطريقة منتظمة أو غير منتظمة بما يتناسب مع فكرة العمل، إضافة إلى التباين اللوني القوي. فأمزج التكرار مع التباين اللوني لأحصل على حركة بصرية تجذب المتلقي وتدخله في العمل، ليصبح المتلقي أحياناً جزءاً من العمل نفسه، وذلك من خلال حركته أو بعده وقربه من العمل». رغم تناول كثير من أعمال علي الحدث السياسي في سورية، سواء في موضوعها أو حتى في عنوانها كما في «ياسمين إرهابي» أو «ياسمين كيماوي»، فإنه لا يرى هذه الأعمال منحازة إلى السياسي بقدر إنحيازها إلى الإنساني في ما تريد أن تفصح عنه للمتلقي. ويقول: «عملي ليس سياسياً وإنما إنساني. ما يهمني دائماً هو الإنسان بإيجابياته وسلبياته، وإن لم يكن موجوداً كعنصر بصري في غالبية الأحيان في أعمالي. التغيرات السياسية والاجتماعية العربية أو حتى الدولية، كانت سبباً لتغيير عملي من عمل بصري تجريدي بحت الى تعبيري إذا صحّ القول، وأصبح عملي البصري مرفَقاً بفكرة وبرسالة تعبران عما أريد قوله». رافقت أعمال الفنان الشاب أحمد علي أحداث «الربيع العربي» وخصوصاً أحداث الثورة في سورية التي تناولتها كثير من الأعمال الفنية، واتسع فيها عمل كثير من الفنانين الشباب في المجال التشكيلي، مستخدمين طرقاً مختلفة في إنجاز عملهم وبالتحديد التقنيات الحديثة من خلال الكومبيوتر وأجهزة الاتصالات. ويرى علي أن هذا عائد الى تطور القضايا التي طرحت على مجتمعاتنا في الدول العربية، إضافة الى تطور وسائل التكنولوجيا. ويضيف: «الفنان دائماً في مرحلة بحث مستمر لايجاد طرق وأدوات جديدة ليعبر فيها عما في داخله، ويأتي تنوع هذه الفنون وأشكالها نتيجة تغير قضايا المجتمعات واهتمامات الناس وانشغالاتها، ونتيجة تطور التكنولوجيا التي أصبحت في كثير من الأحيان أداة الفنان للتعبير. وأعتقد أنه لم يعد هناك حدود أو تسميات تستطيع احتواء الفنون وتنوعها».