بتولي الدكتور أحمد الطيب مشيخة الجامع الأزهر، بدا للعيان أن الأزهر الجامع والمؤسسة سيبدأ مرحلة جديدة في تاريخه، تعيد له توازنه مرة أخرى، إذ أن تعيين الطيب لاقى قبولاً وإجماعاً من الأزهريين، بخاصة أولئك الذين كانوا على خلاف حاد مع الشيخ السابق، بدأ من أن هناك مواقف واضحة للمؤسسة في قضايا كالتطبيع مع إسرائيل الذي ترفضه بشدة، وكالتهاون في مستوى التعليم الأزهري، أو التنازل عن مستوى محدد لخريج جامعة الأزهر، فهل الأزهر في طور مراجعة وإعادة هيكلة المؤسسة؟ هذا السؤال ما زال الوقت مبكراً للإجابة عنه، ولكن يلاحظ أن كلاً من الطيب، ومفتي مصر الدكتور علي جمعة أصبحا على اتفاق ضمني على تعزيز العمل المؤسسي للمؤسسة الدينية الرسمية، على عكس الوضع الذي استمر لسنوات عدة في مصر من منافسة شرسة بين مشيخة الأزهر ودار الإفتاء، فضلاً عن اتجاه الأخيرة إلى العمل مع الأولى بصورة تعزز كثيراً من وضع علماء الدين المحسوبين على الدولة المصرية في المجتمع المصري ظاهراً، لكن في حقيقة الأمر أن لدى كل من الشيخين أحمد الطيب وعلي جمعة مسافة بعيدة بصورة نسبية عن السلطة تتيح لهما صدقية غير مسبوقة لعلماء الدين الأزهريين في المجتمع المصري وعلى الساحة الدولية الإسلامية، وهو ما سيؤثر سلباً خلال السنوات المقبلة على الحركات والجماعات الإسلامية. إن ما نجح فيه الشيخ أحمد الطيب في الفترة القصيرة الماضية هو بناء مصداقية له ولمشيخة الأزهر، والسعي إلى بناء علاقات دولية واسعة مع المسلمين في شتى أرجاء الأرض، فأسس للمرة الأولى إدارة تتولى شؤون المسلمين الناطقين بالفرنسية، سواء في فرنسا أم في أفريقيا. ومن المؤشرات إلى عملية الأزهر ومنهجه الجديد إلغاء الأزهر «لجنة حوار الأديان»، باعتبار أن الحوار لسنوات لم يجدِ نفعاً في العلاقات بين المسلمين والآخرين، ومن الأجدى إيجاد مساحات من التفاهم، حول القضايا التي تمس العلاقة بين المسلمين وغيرهم. إذن، إلى أين يتجه الأزهر، يبدو أنه يتجه نحو إعادة بناء المؤسسة من الداخل مع التركيز على تعظيم دورها التعليمي أولاً، ثم الفكري ثانياً، مشدداً على وسطية منهجه ومعززاً لخدمة المسلمين في شتى أرجاء الأرض، مستعيناً في ذلك بخريجي الأزهر المنتشرين في شتى أرجاء الأرض. لكن أكثر ما شهده الأزهر من حراك دولي هو تأسيس الرابطة العالمية لخريجي الأزهر عام 2007، التي نجحت في تأسيس فروع لها في مختلف الدول التي يتواجد بها عدد من خريجي الأزهر، ويعتبر فرع المكاتب الخارجية الجهاز المناط به إنشاء فروع للرابطة في الخارج، وذلك لتسهيل التواصل بين خريجي الأزهر والمركز الرئيسي في القاهرة، ويتم إنشاء تلك الفروع من طريق تلقي طلبات الأزهريين الموجودين في بلدان العالم المختلفة وذلك لما لمسوه من أهمية الخدمات والنشاطات التي تُقدمها الرابطة لهم أثناء وجودهم في جامعة الأزهر ولتعميق الارتباط الفكري والعلمي بمؤسسة الأزهر واستمرارية الاتصال النفسي بها. ومن ثم تتم دراسة تلك الطلبات من قبل مجلس إدارة الرابطة في القاهرة لتحديد ما يتوافق مع أهدافها وحاجة هذه البلدان لإنشاء فرع خاص للرابطة بها. ولم يتوقف دور فرع المكاتب الخارجية على مجرد تأسيس تلك الفروع بل امتد لمتابعة نشاطاتها وتقويم أهدافها من خلال التواصل المستمر بين تلك الفروع والمركز الرئيسي للرابطة. ويتمثل هذا التواصل في تلقي الطلبات الخاصة للحصول على منح دراسية أو إقامة دورات تدريبية وكل الخدمات التي تتعلق بالأزهريين الموجودين في الدول التي تضم فروعاً للرابطة. وفي هذا الإطار يكون دور فرع المكاتب الخارجية في الرابطة التعرف الى حاجات تلك الفروع الخارجية في بُلدانها وإيصالها إلى الإدارات المناط بها تفعيل تلك الطلبات وتجسيدها كفرع التدريب والمنح والمجلة... إلخ. بالإضافة إلى عقد فرع المكاتب الخارجية اجتماعات دورية مع ممثلي الفروع بالخارج لمُتابعة إنجازاتهم والوقوف على مدى تواصلهم مع الأزهريين الموجودين في دولهم والمساعدة في إيجاد حلول للعوائق والمُشكلات التي قد تعترضهم أثناء قيامهم بمهماتهم النبيلة، ويتم ذلك من خلال دعوتهم الى المشاركة في المؤتمرات والمُلتقيات التي تعقدها الرابطة بصفة دورية لتدعيم التواصل بين المركز الرئيسي في القاهرة وبين تلك الفروع في دولها المختلفة. وبفضل الإنجازات التي تحققت لهذا الفرع في الفترة الماضية تم بالفعل تأسيس فروع خارجية للرابطة في اندونيسيا وماليزيا وباكستان وبنغلاديش والكويت، الأمر الذي ساهم في مزيد من الانتشار، ومزيد من تعميق الروابط بين الرابطة الأم في القاهرة، وفروعها في أرجاء العالم. * كاتب مصري