أظن أن هناك من سيقول بمجرد أن يقرأ الفقرة الأولى من هذا المقال: دوّري لك موضوع أهم، فمجتمعنا تخنقه مشكلات كثيرة هي أهم وأولى... وأعلم يقيناً أن هناك مشكلات تنوء بها صدور القرّاء، ولا مجال لضياع الوقت، لهذا ولأن ليس هناك وقت لإضاعته، فقد خفت كثيراً أن يضيع الوقت قبل أن نبدأ بالأهم، لقد قرأت ما كتبه الدكتور مشاري بن عبدالله النعيم في جريدة «الرياض» يوم السبت الموافق 9 أيار (مايو) 2009، وما أتناوله الآن، وأنا ما زلت خائفة أن يضيع الوقت أكثر، لقد كتب يقول في آخر مقاله ذاك: «إن ما يقترحه على أقل تقدير هو أن تعود انتخابات رؤساء الأقسام والعمداء، فلعل هذا يحرك ساكناً». وأقول نعم، فلعله يحرك ساكناً، فقد دخل الفساد ليس في الجامعات فحسب، بل في كثير من المرافق التي وضعت من أجل المواطن ومن أجل بناء وطن خصه الله تعالى بالكثير من النعم التي تتمناها الكثير من المجتمعات، وللمحافظة على هذه النعم كان واجباً علينا الوعي بما يحدث. لقد تحدث الدكتور مشاري النعيم عمّا يحدث في الجامعات السعودية التي رأى أن التعليم فيها قد بدأ يتدهور عندما سيطر الأساتذة السعوديين على أقسامها وكلياتها، وهنا فقط ليسمح لي الدكتور بالاعتراض على قصر ذلك التدهور على جنسية الأستاذ السعودي، إذ يحصره به، وذلك بالقول: «إذ يبدو أنهم نقلوا كل أمراض المجتمع معهم إلى ساحة الجامعة وأقسامها»، ونعلم أن هناك أمراضاً متعبة ومدمرة من كل الجنسيات، إذا أتيحت الفرصة، وهي متاحة في كثير من الأحيان مع الأسف. ولكني أجد العذر للدكتور مشاري لأن حدوثه ممن يعتقد أنهم قادة التطوير والتحديث في البلد يصبح أشد وأنكأ والمتاهة تصبح لا نهاية لها، وإنه لمؤلم جداً ومستنكر! لقد تحدث الدكتور عن تجربة وخبرة في هذا المجال، وإني أتساءل بألم، لماذا يظل هذا يحدث في جامعاتنا السعودية وهي موئل العلم كما يعتقد؟! يقول الدكتور النعيم: ما حدث للجامعات السعودية خلال العقدين الأخيرين هو تفشي هذه الظاهرة - ويعني بها ظاهرة ممارسة التكتلات الاجتماعية من دون وعي بقيمة وجودة التعليم - يقول: «إن معايير الاختيار لم تبن على التميز والإبداع، بل دخلت فيها القرابة واختلطت بها العلاقات الشخصية» الدكتور النعيم خصّ الجامعات السعودية بمقاله. وفي الحقيقة وعلى رغم استنكاري وألمي من الأساتذة السعوديين الذين هم الأمل الذي لن نجازف بالتخلي عنه، وعن إعطائه الفرصة الأولى وال 20 إلى أن تكون هذه الفرص في غير محلها أو يجازف بسببها بمستقبل أجيال أخرى. والآن، ليسمح لي أحبتي القرّاء أن أعود إلى المشكلات الأخرى التي ظن القارئ العزيز أنني سأغفلها في مقالي هذا، بينما هي ترتبط ارتباط مباشر وعميق بما طرحه الدكتور النعيم، ألا وهو إحلال الرجل المناسب في الأمكنة التي ظلت تنوء بغير الكفء. لقد أصيب الكثير من دوائر العمل بالفساد بسبب بقاء أولئك الموظفين غير الأكفاء فيها لسنين طويلة، ومن ثم يمهد أولئك الموظفين المقيمين فيها إقامة دائمة الأمكنة مرة أخرى للأهل وللأصدقاء، وإبعاد المميزين الذين لا يمتون إليهم بصلة، مما أفقد الوطن كفاءات قادرة، ومميزة، كانت ستضيف الكثير لتلك المرافق الموبوءة بما لا يمت للجودة والتميز بصلة. وهنا، لعلنا نعود لاقتراح الانتخابات التي رأى النعيم وأرى ومثلي الكثيرين غيري أنها الحل الذي سيجعل كل من تولى مهمة الإدارة يضع نصب عينيه الإنجاز ولا شيء غير الإنجاز والتميز، وهنا لابد أن يقال: ماذا أنجزت وبماذا تميزت حتى تبقى، ونستأمنك؟ لقد أمن الفاسدون المساءلة، فصالوا وجالوا، بينما ظلت الأبواب مقفلة أمام المميزين، وهذه أم المشكلات. [email protected]