بدا الروائي البرازيلي باولو كويلو هادئاً بسيطاً وهو يتحدث الى شاشة «الجزيرة» في الحلقة الأولى من البرنامج الثقافي «وحي القلم» الذي اطلقته القناة الإخبارية، أخيراً، (إعداد معتز الخطيب، إخراج منتصر مرعي) في محاولة للتخفيف من هيمنة السياسة، وتمرير المفردة الثقافية بين ثنايا النزاعات والحروب... «وحي القلم»، وكما هو واضح من عنوانه المستمد من عنوان أحد كتب الأديب المصري مصطفى صادق الرافعي، يخوض في الكيمياء المعقدة للكتابة. يحاور الشغوفين بالحرف والكلمة؛ يسبر عوالمهم الخفية، ومكابداتهم؛ تأملاتهم وهواجسهم لدى الوقوف أمام الصفحة البيضاء، وشروع القلم في التدوين... هكذا جاءت الحلقة الاولى، التي دامت نحو ساعة، مع الروائي البرازيلي المعروف باولو كويلو الذي يحظى بشعبية عالمية، إذ حققت رواياته نسب مبيعات عالية وبمختلف اللغات. ولعل هذا يقف وراء اختياره كضيف أول بغرض الترويج للبرنامج وصنع انطباع جيد عنه. كان صاحب «الخيميائي» مرتدياً زياً أسود على خلفية بيضاء تظهر أريكة بوسائد ملونة، ولوحة تشكيلية تكسر طغيان البياض ذاك. ضمن هذا الديكور البسيط راح كويلو يتحدث عن طفولته، وأحلامه البعيدة، وكيف مال إلى «الحركة الهيبية» التي كانت تنشد الحرية، ولم يخفِ صاحب «فيرونيكا تقرر أن تموت»، حقيقة انه كان نزيل مستشفى للأمراض العقلية، وهي التجربة التي فتحت أمامه آفاق الكتابة، فقرر أن يكون كاتباً، على خلاف رغبة والديه. وبعد هذا النجاح الذي حققه، لا يجد كويلو أمنية أعز من أن يظل قادراً على الكتابة حتى آخر يوم في حياته. استعاد البرنامج تلك الرحلة المضنية الطويلة لكويلو، وركز على الجانب الإنساني - الذاتي، أي تلك الجوانب التي أغفلتها الأعمال المنشورة. واللافت هو التعليق الصوتي المرافق؛ المكتوب بلغة أدبية، والمفعم بمعلومات تضيء، بالتدريج، جوانب من حياة هذا الروائي. وفي غضون ذلك، تأتي الصور الفوتوغرافية والمواد الفيلمية من الأرشيف، فضلاً عن تلك المصورة حديثاً، لتساهم في تقريب الكاتب من قارئه الذي، ربما، كان في انتظار جواب حاسم حول سر الشهرة العالمية لصاحب «إحدى عشرة دقيقة». ولئن خاب أمله بسماع الجواب الشافي، بيد انه استمع الى سيرة حياتية وإبداعية حافلة ذات بعد اسطوري، أظهرت أن للموهبة والإلهام دوراً في خوض مغامرة الكتابة ومسالكها الوعرة وأسرارها العصية على الكشف حتى بالنسبة الى الكاتب ذاته. البرنامج سعى الى ربط العمل الابداعي بالجانب الإنساني الوجداني، عبر حض الكاتب على البوح وكشف الخفايا، مستعيناً بلغة بصرية لا تفتقر الى التوثيق، من دون إهمال كادرات بصرية مؤثرة. بديهي، أن ثراء سيرة، مثل سيرة كويلو، يحتاج الى ساعات مصورة طويلة، ومهما كان البرنامج مكثفاً، وشاملاً، فإن الصورة ستظل ناقصة. لكن العيون، كانت مشدودة إلى الشاشة، تماماً مثل عيني كويلو المصوّبتين نحو الهدف، وهو يمارس رياضة «الرماية بالقوس» المفضلة لديه، لكنه يهتدي، دائماً، بالبصيرة لا البصر، فهل يكمن سر النجاح المدوّي هنا؟