الرد على تلويح الفلسطينيين بالانسحاب من المفاوضات المباشرة إذا استأنفت إسرائيل البناء في مستوطنات الضفة، جاء كاقتراح بقسمة التجميد الحالي: امتناع عن توسيع المستوطنات المعزولة والعودة إلى البناء في تلك التي ستضمها إسرائيل بعد الاتفاق النهائي. وعلى غرار جميع المفاوضين يرمي الإسرائيليون بفكرة قسمة التجميد إلى وضع صعوبات جديدة أمام الطرف الآخر. فإن هو رفض متابعة المفاوضات بعد انتهاء مدة التجميد في 26 أيلول (سبتمبر) المقبل سيتحمل مسؤولية انهيار العملية السلمية، وإن وافق سيبدو كمن قدم تنازلاً كبيراً يتضمن اعترافه بحقين لإسرائيل، الأول في ضم مستوطناتها القريبة من الخط الأخضر إلى أراضي ال48، والآخر في إقامة المستوطنات على الأراضي المحتلة. المسألة من وجهة النظر الإسرائيلية تكمن في تجريد الفلسطينيين من شرعية طلب استعادة كل الأراضي المحتلة العام 1967 بعدما اعترفت منظمة التحرير بإسرائيل، ضمن حدود 1948، عشية التوقيع على اتفاق أوسلو. وفي ظل الوضعين الفلسطيني والعربي الكارثيين الحاليين، لا يبدو أمام السلطة في رام من خيار سوى الاستجابة لطلبات إسرائيل والولايات المتحدة مشفوعة بموافقة لجنة المتابعة العربية. ومحمود عباس وأركان قيادته هم أول من يعلم أن مفاوضات قد لا تستمر أكثر من ثلاثة أسابيع (من الثاني من أيلول إلى السادس والعشرين منه)، ليست أكثر من أداة لتلبية حاجات العلاقات العامة الإسرائيلية، قبلت إدارة باراك أوباما بتوفير الغطاء لها لأسباب تخص صورتها قبيل الانتخابات النصفية للكونغرس في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. ومفاجأة التوصل إلى السلام التي تحدث بنيامين نتانياهو عنها لن تحصل، بطبيعة الحال، خصوصاً أن أحداً من القوى المؤثرة في المنطقة لا يريدها. عليه، سيكون لقاء الثاني من أيلول مجرد استعراض جديد لإخفاق الفلسطينيين والعرب في وضع استراتيجية قابلة للتطبيق لقيام الدولة الفلسطينية واستعادة الأراضي العربية المحتلة. ومن دون الانزلاق إلى تبادل فارغ للاتهامات بالمسؤولية عن الإخفاق المذكور، وهي في زعمنا مسؤولية تتشارك قوى «المقاومة» وقوى «المفاوضة» في تحملها، يبدو من المهين للقيادة الفلسطينية، ولكل من يطمح إلى تحقيق آمال شعبها، القبول بالتحول إلى أداة لا نفع فيها سوى تقديم المخارج الديبلوماسية والاعلامية لحكومة نتانياهو وادارة أوباما، بذريعة أن الامتناع عن أداء الدور هذا سيسفر عن وقف المساعدات الأميركية والأوروبية وتشريد أكثر من مئة وأربعين ألف موظف في هيئات السلطة. والإمعان في إسباغ صفات الأزمة الانسانية أو الكارثة البشرية على القضية الفلسطينية، سواء في غزة أو في الضفة او في مخيمات الشتات، لا تفعل سوى أن تفرغ القضية من مضمونها وترميها حطاماً وانقاضاً بين أيدي الاحتلال و»جهوده» في تخفيف الحصار عن غزة وتقليص عدد الحواجز في الضفة. القضية في مكان آخر، مدخله إنهاء مهزلة الانقسام الوطني، والاعتراف أن شكلي العمل اللذين حصر الفلسطينيون نضالهم بين حديهما، أي الكفاح المسلح الذي وصل إلى الطريق المسدود و»الهجوم السلمي» الذي لم يفضِ إلى شيء، اديا دوريهما التاريخيين وحان أن يحالا على التقاعد ليصوغ الفلسطينيون أشكالاً وأنماطاً جديدة من العمل الميداني والسياسي.