في الوقت الذي أعلن فيه تقرير جديد لمنظمة العمل الدولية، أن معدل البطالة العالمية لدى الشباب يسجل أعلى مستوياته، كشفت دراسة جديدة أصدرها معهد بحوث النمو الاقتصادي في زوريخ في سويسرا، ارتفاع مدخرات الأثرياء في مقابل تراكم ديون الفقراء، متوقعةً ازدياد الفجوة في الدخل بين الطبقتين. إذ يظهر تقرير منظمة العمل الدولية، وهو بعنوان «اتجاهات الاستخدام العالمية للشباب لعام 2010» أن من بين 620 مليون شاب ناشط اقتصادياً من ضمن الفئة العمرية بين 15 و24 عاماً، بات 81 مليوناً منهم في حال البطالة نهاية 2009، وهو الرقم الأعلى إحصائياً ويفوق العدد المسجل عام 2007 ب 7.8 مليون شاب عاطل عن العمل، محذّراً من أزمة إرث «الجيل الضائع» المؤلف من شباب تسرّبوا من سوق العمل محبطين وفاقدين أي أمل في التمكن من العمل لتأمين عيش لائق. لا شك في أن «أزمة» بطالة الشباب تتصاعد أدخنتها ومعدلاتها عالمياً بعد الأزمة المالية، لكن مع تزامنها مع تباعد الفجوة المعيشية بين الأغنياء والفقراء تظهر كبر «الطامة» العالمية ومدى خطورة انعكاساتها المستقبلية على حياة الشعوب، ما يستدعي ضرورة إيجاد حلول شاملة تضمن وجود فرص عمل للشباب، ومحاولة ردم الهوة التي تتسع بين الشرائح الاجتماعية، حتى لا يكون هناك ثراء فاحش في مقابل فقر مدقع. (أي سادة وعبيد). هناك حاجة إلى التركيز على استراتيجيات متكاملة تجمع بين خطط وبرامج التعليم والتدريب والتأهيل وتوظيف الشباب (شبان وبنات) وفتح مجالات العمل أمامهم، خصوصاً أن الشابات يواجهن مصيراً أقسى، وصعوبة أكبر من الشبان في الحصول على عمل. فمثلاً في الجانب الأنثوي، تسجل البطالة لدى الشابات في 2009 معدل 13.2 في المئة مقارنة مع معدل 12.9 في المئة بطالة لدى الشبان. وتشكل النساء الفئة الأكثر تأثراً بالبطالة في غالبية مناطق العالم باستثناء البلدان المتقدمة ودول الاتحاد الأوروبي. من المؤكد أن معدلات البطالة لدى الشباب تأثرّت بالأخطار الاقتصادية جراء الأزمة المالية العالمية، والأخطار الاجتماعية المرتبطة بالإحباط من عدم توافر وجود وظائف مناسبة لائقة، إذ يقدر تقرير منظمة العمل العالمية أن 152 مليون شاب أو نحو 28 في المئة من مجموع العاملين الشباب في العالم، ظلوا يعانون فقراً مدقعاً في أسر معيشية تكافح للبقاء بأقل من 1.25 دولار يومياً للشخص الواحد في 2008. لك أن تتخيل كيف لشاب يحصل على راتب في اليوم الواحد مقداره دولار ونصف الدولار أي (جنيه استرليني واحد أو ستة ريالات سعودية) كيف يمكن له فتح منزل وتكوين أسرة وتوفير متطلبات العيش الكريم له ولأسرته؟! يجب أن تتفهم الحكومات خطورة تبعات مشكلات استمرار بطالة الشباب، إذ من شأنها تقويض الأمن والاستقرار الاجتماعي، خصوصاً أن الشباب يشكلون قوة علنية لكل مجتمع وضماناً لمستقبله التنموي، ولا تبنى البلدان كما يقال «إلا على زنود الشباب وطاقاتهم». في السعودية مثلاً، وهي دولة غنية بآبار النفط، وتعد أكبر اقتصاد في المنطقة، لوحظ - بحسب البيانات الأخيرة - ارتفاع في معدل البطالة بين السعوديين إلى 10.5 في المئة. وكشفت مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات أن نسبة البطالة ارتفعت نتيجة ارتفاع عدد السعوديين العاطلين عن العمل من الجنسين إلى نحو 448 ألف فرد، لكن هناك ما يجعل حالاً من التفاؤل بعد دراسة حديثة، تشير إلى أن التأثير السلبي للركود العالمي على ممارسات التوظيف في منطقة الشرق الأوسط على وشك الانحسار، موضحة أن أكثر من نصف الشركات السعودية مثلاً تنوي التوظيف خلال الربع الثالث من العام الحالي، إذ تكشف دراسة أجراها موقع «بيت كوم» بالتعاون مع مؤسسة «YouGove Siraj» للأبحاث حول مؤشر فرص العمل، أن أكثر من ربع الذين استطَلعت آراءهم في السعودية وبنسبة 27 في المئة قالوا إن مؤسساتهم ستجري «حتماً» عمليات توظيف خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. الأكيد أن على الحكومات إدراك طاقات الشباب وتفاعلية أحلامهم قبل أن تتحول إلى «حلم ضائع» في أزمة ما يسمى ب «إرث جيل ضائع»، وقبل أن يحولهم القهر والفقر والعوز إلى أدوات «مسمومة» تشكل خطراً حقيقياً على البلدان أمنياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً.