تثير العملية العسكرية التركية التي بدأت في 24 آب (أغسطس) بالسيطرة على مدينة جرابلس السورية، العديد من التساؤلات عن أهدافها وحدودها ومواقف القوى الإقليمية والدولية منها، والأهم التداعيات المتوقعة بعد توسّعها والسيطرة على مارع، وإقامة ما يشبه شريطاً حدودياً عازلاً داخل الأراضي السورية. في أهداف العملية: 1- الهدف المعلن محاربة «داعش»، إذ إن الحكومة التركية باتت ترى في الحرب ضد داعش حاجة داخلية بعد أن تزيدات عملياته الإرهابية داخل الأراضي التركية والتفجيرات في قلب المدن التركية الكبرى، فضلاً عن تعرُّض المناطق الحدودية التركية لسقوط قذائف وصواريخ، كما أنها تشكّل حاجة على المستويين الدولي والإقليمي، فثمة رسالة سياسية من ذلك مفادها، أن أنقرة جادة في محاربة «داعش» بعد اتهامات كثيرة لها بدعمه طوال الفترة الماضية. 2- توقيت عملية جرابلس جاء بعد تحرير قوات سورية الديموقراطية مدينة منبج، فجاء التدخُّل العسكري التركي رسالة قاطعة مفادها أن أنقرة لن تسمح للأكراد بالتمدُّد في غرب نهر الفرات، لا سيما مدن الباب وجرابلس وإعزاز، لأن السيطرة على هذه المدن تعني ربط مناطق شرق نهر الفرات بعفرين والشيخ مقصود في حلب، وهو ما يعني اكتمال مقومات الإقليم الكردي في سورية، وأن حدود تركيا الجنوبية ستصبح بالكامل مع هذا الإقليم وليس مع الدولة السورية في حدودها المعروفة. 3- الهدف الأساسي للتدخل العسكري التركي يتجاوز محاربة «داعش» إلى ضرب مشروع الفيديرالية الذي طرحه الأكراد في سورية، نظراً الى قناعة تركيا بأن هذا المشروع سيؤثر في أمنها القومي والوطني، وأن معركة جرابلس وما بعدها هي لوضع نهاية لهذا المشروع. 4- في صلب الأهداف التركية، إقامة منطقة عازلة في المنطقة الممتدة بين جرابلس والراعي، لأسباب إنسانية وأمنية معاً، ولمثل هذا الأمر أهمية بالغة في المرحلة المقبلة، لا سيما في ضوء الاستعدادات الجارية لمعركة تحرير الرقة من «داعش» واحتمال حصول موجات نزوح كبيرة من المدينة، حيث تتحدث مصادر تركية وأميركية عن بدء محادثات عسكرية بين الجانبين للقيام بعملية مشتركة في الرقة. 5- تطمح تركيا من عملية جرابلس إلى إيجاد موطئ قدم عسكري لها في شمال سورية، وربما التطلُّع إلى إحياء خططها القديمة في إقامة منطقة أمنية عازلة تكون منطلقاً للفصائل السورية المسلّحة، والعمل على إعادة بناء الجيش السوري الحر، والاعتماد على الأخير لاحقاً في محاربة قوات سورية الديموقراطية ووحدات حماية الشعب الكردية وإجبار الأخيرة على التراجع عن المناطق التي سيطرت عليها أخيراً. مواقف صامتة وتداعيات منتظرة: وعلى رغم أن الاجتياح العسكري التركي لجرابلس هو غزو واحتلال وانتهاك لسيادة دولة عضو في الأممالمتحدة، إلا أننا لم نسمع مواقف عربية أو إقليمية أو دولية مندّدة أو مطالبة بالانسحاب، ولعل ذلك يعود أولاً إلى توتّر علاقات معظم الدول العربية مع النظام السوري. وثانياً: إلى أن العملية جرت بموافقة أو علم معظم الدول المعنية بالأزمة السورية، بمن في ذلك حلفاء النظام السوري، فالعملية جرت بالتزامن مع زيارة جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي، إلى تركيا وتصريحات أميركية تحاول تبرير العملية ومحاولة إحداث توازن في العلاقة بكل من تركيا وأكراد سورية، كما أنها جاءت في ظل تحسّن علاقات تركيا بكل من روسيا وإيران وحديث عن لقاءات أمنية بين مسؤولين أتراك وسوريين في أكثر من مكان، ولعل صمت طهران وموسكو إزاء التدخل العسكري في شمال سورية يثير الاعتقاد بوجود موافقة ضمنية، أو على الأقل تفاهم، على هذا التدخل لأهداف لها علاقة بسعي هذه الدول للتوصل إلى تفاهمات في شأن كيفية تسوية الأزمة السورية. والنقطة الأهم التي تُطرح في سياق هذه العملية، تتعلق بحدودها. على نحو، هل فعلاً ستتجه جنوباً نحو منبج والباب لطرد قوات سورية الديموقراطية أم أنها ستكتفي بالسيطرة على الشريط الحدودي الممتد بين جرابلس ومارع؟ من دون شك، في صلب الأهداف التركية الوصول إلى منبج لقطع الطريق أمام المشروع الكردي في سورية، إلا أنه من الواضح أن مثل هذا الأمر لا يمكن من دون موافقة أميركية، إذ من دون هذه الموافقة ستواجه العملية التركية صعوبات كثيرة، منها ما هو ميداني متعلق بمقاومة القوات الكردية التي اختبرت الميدان جيداً، ومنها ما هو متعلق بالموقف الأميركي الذي يحاول إيجاد توازن في تحالفه مع تركيا والأكراد السوريين، وتحديداً وحدات حماية الشعب وقوات سورية الديموقراطية، فضلاً عن أن التوسُّع جنوباً قد يكون خارج حدود القبول الروسي والإيراني، بما يعني أن الزحف جنوباً نحو منبج قد ينقل العملية التركية من التفهم والقبول إلى الصدام، خصوصاً أن الأكراد يقولون أنهم حصلوا على تعهدات واضحة من المبعوث الرئاسي الأميركي بريت ماكفورك، بأنهم لن يسمحوا لتركيا والجماعات المسلّحة المتعاونة معها بالسيطرة على منبج. * كاتب سوري