تعيش مدينة الرقة على وقع طبول الحرب التي تبدو وشيكة جداً، لا سيما بعد أن ألقت قوات التحالف منشورات في ريف الرقة الشمالي تطالب فيها الأهالي بإخلاء المحافظة. يقول محمود الموسى أحد السكان المحليين في الرقة: «الناس خائفة، ولا تعرف أين تذهب، فداعش لا يسمح بالخروج من أرض الخلافة (مناطق سيطرته) ومعظم الناس لا تملك أكلاف النقل فكيف سيتدبرون أمورهم» إذ لم يؤمن التحالف ممرات آمنة، أو مساكن أو مخيمات لمن طالبهم بالإخلاء. يذكر أن إلقاء المنشورات ترافق مع بدء الغارات الجوية على ريف الرقة، وكان مبعوث الرئيس الأميركي في التحالف بيرت ماكرينغ قال في 15 أيار (مايو): «سنبدأ عملية ضغط على الرقة خلال الأسابيع والأشهر المقبلة» في حين أكد صالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي ل «فرانس 24»: «إنّ قوات سورية الديموقراطية تستعد مع التحالف للسيطرة على الرقة». ويُعتقد أن عملية طرد «داعش» من الرقة تمّ الاتفاق عليها نتيجة توافق أميركي - تركي، إذ يتحسس الأتراك من أي تقدم للقوات الكردية، ويقول أحمد الرحمو رئيس المجلس الثوري لمدينة منبج سابقاً: «أتوقع توصل أميركا لاتفاق مع تركيا ينص على عدم تقدم قوات سورية الديموقراطية غرب الفرات، وبالتالي سيتجهون شرقاً» ويؤكد كلام الرحمو ما رشح من معلومات عن لقاء صالح مسلم مع وفد التحالف العسكري قرب عين العرب (كوباني)، وتسريب معلومات تفيد باتفاق أميركي - تركي يمنع سيطرة قوات سورية الديموقراطية على غرب الفرات في مقابل التوجه جنوباً نحو الرقة. أعدت الولاياتالمتحدة للمعركة جيداً، ويقول بديع محمد، ناشط من دير الزور: «بدايةً رفعت أميركا عدد قواتها في سورية إلى 400» ومهمة هذه القوات التدريب والاستشارة والدعم اللوجستي للمعركة، ويتابع: «الولاياتالمتحدة تجهز لهذه العملية منذ زمن، فعملت على استقطاب العرب لقوات سورية الديموقراطية» ويؤكد ناشطون أن قوات سورية الديموقراطية تحشد قواتها في عين عيسى شمال الرقة، وتظهر الأسلحة الثقيلة. ويتوقع ناشطون أن تسيطر قوات سورية الديموقراطية سريعاً على الرقة نظراً الى ما سيقدم من دعم جوي كثيف، وسيسبق ذلك دمار المدينة وفق توقعاتهم، في حين يذهب بعضهم أبعد من ذلك، فيقول أحمد الرحمو: «قوات سورية الديموقراطية قادرة على طرد داعش بسبب المساندة الكبيرة جداً من قوات التحالف، كما لن يحصل اشتباكات وقتال بل استلام للأماكن التي سيتركها داعش» ويضيف: «داعش خليط استخباراتي، وعملية خروجه من الرقة مرتب لها». ويقول الناشط بديع: «إذا كانت أميركا جادة بالقضاء على التنظيم فستفعل ذلك كما حصل في الهول والشدادي» ولكن أميركا تستنزف القوى وتدير المعركة ببطء، ويتابع الرحمو: «أميركا اللاعب الأقوى في القضية السورية، ويبدو أنها غير مستعجلة» فالآخرون يحققون لها أهدافها. وسيترتب على انتصار قوات سورية الديموقراطية، لو حصل، نتائج كبيرة، إذ يعني ذلك نهاية «داعش» في الريف الشرقي لحلب والممتد من جرابلس غرباً إلى حدود أعزاز ومارع شرقاً، وهذا وفق ما يراه مراقبون سبب في تأخير معركة الرقة، فقوات الحماية الكردية تريد السيطرة على جرابلس ووصل عين العرب بعفرين، وهو ما ترفضه تركيا، ويؤكد متابعون عسكريون أن الولاياتالمتحدة عملت على إفشال الجيش الحر بالريف الشمالي لتسويق الكرد وإقناع تركيا بالموافقة على الدخول الى مدينة الرقة قبل أن يسيطر عليها النظام بمساعدة الروس. ويقول الخبير العسكري العميد صفوت الزيات: «تسعى أميركا بكل الوسائل المتاحة إلى عدم تقدم الجيش الحر بريف حلب الشمالي على حساب تنظيم داعش، وهذا ما بات يعلمه الجميع فهي ترغب أن تظهر فصائل الجيش الحر أنها غير قادرة على قتال تنظيم داعش، وأن البديل الأنسب هو الميليشيات الكردية المدعومة أميركياً وروسياً». ويتهم ناشطون «أمراء داعش الكبار» بالعمالة والتنسيق لمصلحة النظام والقوى الكبرى، ويستدلون على ذلك بالمقاومة الشرسة التي يبديها التنظيم عند قتال الثوار فيحشد قواته لتدمير قرى صغيرة تتألف من عشرات البيوت بالمفخخات كقرى البل، والشيخ ريح، وتل حسين وغيرها، ويخشى السكان من استبدال الاحتلال الداعشي باحتلال كردي، ويشعرون بأن هناك مؤامرة يرسمها الروس والأميركيون معاً، ويقول الناشط أبو محمد المنبجي: «اميركا تدعم الكرد في الرقة وريف حلب الشرقي ضد داعش، وروسيا تدعمهم ضد الحر في ريف حلب الشمالي، فهناك سعي الى خلق كيان كردي ينفصل عن سورية». ويُتهم الثوار العرب في صفوف قوات سورية الديموقراطية بالخيانة والعمالة، فهم يخدمون مشروعاً لا يخدم سورية، ولا يهدف للديموقراطية بل عكس ذلك، على ما يقول الرحمو، ويضيف: «هذه الميليشيات تستخدمها الدول لتحقيق مصالحها وهم لا يملكون قراراً». ويُستبعد أن تسلم القوات الكردية الرقة للنظام في المستقبل القريب، فتركيا وافقت على طرد داعش من الرقة حتى لا يدخل الروس والنظام، وأوضح صالح مسلم ذلك علناً: «في حال السيطرة على الرقة فلن يسمح بدخول الجيش السوري إلا في إطار سياسي يتمُّ التوافقُ عليه». ويبقى المدنيون الضحايا الحقيقيين لأي عملية عسكرية في الرقة، لا سيما أنها لا تأتي في سياق حل نهائي، ويقول وائل المحمود من الرقة: «تجربة قوات الحماية الكردية في المناطق التي طردوا داعش منها تدعو الى القلق، وتل أبيض وصرين والشدادي وقرى عين العرب العربية دليل على ذلك»، كما يخشى الأهالي من تدمير ما تبقى من بلداتهم، فما الفائدة من التحرير إذا سبقه تدمير، ناهيك عن المجازر التي ستحصل وعمليات النزوح... سيكون الوضع كارثياً». ويجزم الناشطون باستحالة استتباب الأمر للقوات الكردية في الرقة، ويعتقدون بأن خلافاً سيحدث بين العرب والكرد داخل تحالف سورية الديموقراطية، وستكشف الأيام وجه كل هذه السيناريوات والمخاوف.