لو ساقتك الأقدار يوماً إلى مكتب العمل في جدة لمأرب ما، ستشنف سامعيك قطعاً بأصناف شتى وكلمات عدة من الشكاوى والتمرمر والتذمر، إذ إن أصواتاً علت صادحة بمشكلات تأخر المعاملات وشح الموظفين وتباين الأنظمة وزحام المراجعين. وكذلك كان حال الشاب أحمد الصيعري (20 عاماً) الذي وقف تحت أشعة الشمس الحارقة، ووسط طابور طويل من المراجعين، متأبطاً حزمةً من المعاملات الرسمية، وممسكاً بإحدى يديه قارورة ماء يبلل بها ساعات انتظاره الطويلة، ينتظر دوره ليتسلم رقم مراجعته أمام بوابة مكتب العمل الواقع في زاوية ضيقة في أحد أحياء جنوبجدة القديمة، ولم يدر بخلده أن حلمه بالوصول سيصطدم بموزع الأرقام الذي يرفض فجأةً ومن دون مقدمات منحه ورقة الدخول بحجة عدم ارتدائه الزى الرسمي!. بداية، اعتبر المراجع سليمان خلوفه قلة عدد الموظفين موازاةً بحجم أعداد المراجعين من أهم المعوقات التي تعترض المراجعين في مكتب عمل جدة، وقال ل«الحياة»: «لا يمكن أن تحل وتنهى معاملات المراجعين وعدد الموظفين قليل جداً، وما نشاهده يومياً وبشكل متكرر عبارة عن موظف أو موظفين فقط يقفون أمام شباك يمتلئ بمئات المراجعين، وهذا ما يشكل ضغطاً بحد ذاته على الموظف، فضلاً عن المراجع الذي يصاب في أحيان كثيرة باليأس والإحباط من جراء الانتظار والتردد خلال أيام عدة على المكتب من أجل إنهاء معاملته». وعاد خلوفه ليؤكد أن مشكلات المكتب لا تقف عند هذا الحد، وأن مسلسل الشقوق طويل، وقال: «لا تقف معاناتنا عند هذا الحد، بل إن الأمر الأقسى علينا هو انتظارنا لأوقات طويلة ومنذ ساعات الفجر الأولى في طوابير لا تنتهي في سبيل حصولنا على رقم انتظار يخول لنا الدخول إلى مكتب العمل، ومتابعة معاملاتنا التي تمثل مسلسلاً آخر لا نعلم متى تنتهي فصوله»، مشيراً إلى ضرورة أن تجد إدارة المكتب حلاً لهذه المشكلة، «التي أصبحت تسبب صداعاً لمختلف المراجعين». وعلى رغم أجواء الصيف الحارة التي تسيطر هذه الأيام على المدينة الساحلية، إلا أن ذلك لم يمنع المراجعين وأرباب العمل وحتى العمال أنفسهم من التوافد وبشكل مكثف على مكتب عمل جدة لإنهاء معاملاتهم وأوراق عملهم الخاصة، بل إنها لم تستطع حتى القضاء على طوابير الانتظار التي كانت تمتد خلال الأيام العادية منذ الواحدة فجراً وحتى منتصف النهار. من جانبه، استغرب أحد الشبان العاملين في مكاتب الخدمات العامة (معقِّب) أحمد الصيعري اختلاف أنظمة العمل السعودية من مكتب لآخر، مشيراً إلى أن هناك تبايناً واضحاً في الأنظمة داخل تلك المكاتب ما يثير الاستغراب خصوصاً إذا ما علمنا جميعاً أن جميع مكاتب العمل داخل المدن السعودية كافة ترتبط وتتبع بإدارة رئيسة واحدة هي وزارة العمل. وضرب مثلاً لهذا التضارب والاختلاف في الأنظمة والقرارات برفض مكتب جدة تسلم معاملة أي امرأة من دون أن يكون المراجع هي نفسها أو قريبها شريطة أن تكون درجة قرابته لها من الدرجة الأولى بخلاف مكتب عمل الرياض الذي يقبل المعاملات من دون النظر لهذه الشكليات، لافتاً إلى أن هذا التباين يسبب عائقاً كبيراً في إنجاز المعاملات خلال وقتها المحدد. وشكك في تعامل بعض موظفي المكتب مع بعض مكاتب الخدمة والمراجعات، مؤكداً أن «بعض الموظفين يتسلمون معاملات بعض المكاتب من دون إخضاعهم للانتظار أو لقيود أخرى كتلك التي تفرض علينا»، لافتاً إلى أن شرط تسلم المعاملات من موظف مكتب الخدمة المعتمد أمر مهم، «لكن في الوقت نفسه يجب أن نحكم جانب العدالة في هذا الأمر، ولا نحابي مكتباً على حساب آخر». وأرجع سبب كل هذا الزحام المستمر والتكدس غير المبرر أمام بوابات مكتب عمل جدة باستمرار إلى أسلوب التعقيد الذي ينتهجه موظفو المكتب في تعاملهم مع المراجعين، وإنهاء معاملاتهم، والذي لا يمت لحقيقة الواقع بأي صلة، فنجد تناقضاً غريباً في قراراتهم التي يصدرونها لنا، وتعاميمهم التي تختلف كل يوم عن سابقه، ما يعمل على تأخير المعاملات وتكدسها، ويزيد من زحمة المراجعين وكثرة ترددهم على مكتب العمل.