بحلول شهر رمضان الكريم، تثار في كل سنة ضجة حول ارتفاع أسعار السلع والأغذية الضرورية للإفطار، بذريعة ارتفاع الطلب عليها. وهذا تعامل اقتصادي «مشروع» في مناسبة ليست اقتصادية في جوهرها. ويبدأ الشهر الفضيل ويمر، من دون حدوث شيء يُذكر لمكافحة هذا الغلاء «العابر»، العابر نسبياً، لأنه فعلياً يظل مخيّماً على بطاقات أسعار بعض المواد. ولضبطها، تحصل أحياناً تدخّلات من الحكومات أو السلطات المختصّة، يدحض الواقع فاعليتها. وكل سنة، تُطرح التساؤلات ذاتها عن أسباب غياب بعض الممارسات والتقاليد التي كانت تضفي مسحة إنسانية على شهر الصوم، مثل «المسحراتي». وإضافة إلى الحنين إلى تلك الأيام، تأتي أجوبة الناس وصانعي البرامج منقوصة، فلا يتطرّقون إلى توسّع العمران الذي يحول دون مرور «المسحراتي» وسماع صوت طبلته الخفيف، ودون سماع مدفع الإفطار الذي لم يعد ينسجم مع واقع مرير تكثر فيه أسلحة فتاكة تعمل حتى في أيام الصوم. ولا ينتبهون إلى أن أجهزة «بلاك بيري» و «أي فون» والهواتف الأخرى تزخر بخدمات الأذان وأوقات الإمساك والإفطار... وقد يُسجّل في المستقبل صوت الطبلة و «المسحراتي» يقول «يا نايم وحّد الدايم»، إذا لم يكن قد حصل ذلك. الحنين إلى ماضي العادات والتقاليد الرمضانية تعزّزه أحياناً المسلسلات التي تركز خلال الشهر الفضيل على الفضائل والخصال الحميدة، ضمن ديكورات أثرية وأجواء باردة من الخير العام والتسامح. ويتناسى الكتّاب والمخرجون أن التقاليد الرمضانية، حالياً، باتت تمارس في عمران معاصر، وبات الناس يكدّون ويعملون، وهم صيام في الحر والبرد، وفي دول مختلفة. دفء العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة، فتر. وأصبح استحضار «الغائب»، عبر الموبايل، إلى مائدة الإفطار وخلال مشاهدة المسلسلات... ممارسة عادية كما في كل أيام السنة. وبات للشباب أوضاع مغايرة، خلال هذا الشهر. ألا تستحق كل هذه المتغيّرات مسلسلاً رمضانياً معاصراً أو إعادة النظر في نقل واقع جديد طرأ منذ انتشار أدوات اللهو والمتعة الحديثة؟