تحولت مواقع التواصل الاجتماعي تربة خصبة لإنتاج الإشاعات وانتشارها، اذ تُمرر بوصفها معلومات وأخباراً حقيقية، لكن اللافت أنها صارت مصدراً رئيساً لبرامج القنوات الفضائية المصرية، فتقوم بعرضها من دون التحقق من صحتها لتساهم في مزيد من الانتشار لها؛ بل تضفي عليها الصدقية الزائفة، وحين يتم نفي تلك الإشاعات لا يحظى النفي بالحيز ذاته من العرض والاهتمام، فتظل الغلبة للإشاعة ويستمر تداولها كما لو كانت حقيقة. اشهر هذه الأخطاء وقع بها برنامج «90 دقيقة» - على قناة «المحور»- اذ عرض أخباراً مستقاة من مواقع التواصل الاجتماعي حول حادث مقتل سياح مكسيكيين بالخطأ العام الماضي، فنقلت المذيعة إيمان الحصري تصريحات منسوبة الى الرئيس المكسيكي نشرتها صحيفة ساخرة تسمى «الأهرام المكسيكية»، اعتاد كثيرون على مواقع التواصل نشر أخبار عنها، ظناً أنها صحيفة «الأهرام» المصرية العريقة، وقدم البرنامج التصريحات الساخرة بوصفها حقيقية، وكان مفادها بأن «الرئيس المكسيكي يتفهم دواعي مصر لقتل السياح ولا يفهم دواعي ذهاب السياح إلى هناك، وتشككه في ذهابهم إلى الصحراء المصرية على رغم وجود صحراء في المكسيك». وتحلت الحصري بالشجاعة والصدقية في الحلقة التالية، اذ أعربت عن اعتذارها وفريق عمل البرنامج عن الخبر الكاذب، لافتة إلى أنه كان يتحتم عليها التأكد من دقة الخبر ومراجعته قبل عرضه. ووقع في الفخ ذاته الإعلامي في قناة «دريم» وائل الإبراشي، حين استهل حلقة عُرضت في 15 أيلول (سبتمبر) 2015 بتعليقه على حادث قتل السياح المكسيكيين، بأن هناك بعض التعليقات الإيجابية من المكسيك مدللاً بالتصريحات الساخرة المنسوبة إلى رئيس المكسيك وعنوانها «نتفهم دوافع مصر لقتل السياح وأتساءل عن دوافع السياح الحقيقية للذهاب إلى هناك». ولم ينوه الإبراشي بذلك الخطأ، بيد أنه تبنى لاحقاً استضافة أهالي ضحايا الحادث المصريين وعرض مطالبهم. واستند المذيع في قناة «صدى البلد» أحمد موسى - خلال برنامجه - إلى فيديو إحدى ألعاب الحرب ليدلل على نجاح روسيا في حربها ضد «داعش» في سورية، وقدم الفيديو على أنه لغارات روسية على مواقع تنظيم «داعش»، وأثار ذلك موجة عارمة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتذر موسى لمشاهديه في الحلقة التالية قائلاً: «نحن بشر ولسنا معصومين من الخطأ». طبيعي أن تستخدم القنوات التي تصدر من خارج مصر وتتبع «الإخوان»، ذلك الأسلوب من نشر أخبار غير دقيقة، وكان أبرزها اشاعة جفاف النيل في مصر التي قدمها المذيع في قناة «مصر الآن» محمد ناصر قائلاً إن الرئيس السيسي باع حصة مصر من المياه لإثيوبيا، ومصر بانتظار الجفاف وبور الأراضي وستشرب مصر من مياه المجاري. وكذلك عرض المذيع معتز مطر تقريراً مشابهاً على قناة «الشرق» قائلاً إن «السيسي والإعلام المصري يتعمدان إخفاء جفاف نهر النيل»، وخرج المتحدث باسم وزراة الري لينفي ذلك. كما سرت اشاعة طريفة حول قطع وزارة الكهرباء التيار عن وزارة المياه لعدم سداد الفواتير، وقطعت وزارة المياه، المياه عن وزارة الكهرباء وأُذيع الخبر على لسان مصادر في النشرة الإخبارية لقناة «القاهرة والناس» وجرى تداول الخبر على أنه حقيقي حتى أصدرت الوزارتان نفياً قاطعاً. وركزت برامج تلفزيونية خلال الأسبوعين الماضيين على قانون بناء الكنائس، اذ سرت اشاعات عن أنه يقضي بعدم رفع صلبان على الكنائس، ما أثار غضب مسيحيي مصر وهدد بخلاف طائفي، حتى أنهت وزيرة التضامن الاجتماعي اللغط عبر بيان رسمي نفت خلاله صحة تلك الأخبار، مؤكدة أنها اشاعات تتنافى مع المنطق وتثير الدهشة ولا أساس لها من الصحة، وسرعان ما تم إقرار القانون ليتضح كذب الإشاعة. وتقول المذيعة إيمان الحصري ل «الحياة» إن «مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت مصدراً لكل البرامج على رغم كونها من المصادر المشكوك فيها، وكثيراً ما يتضح أن هذه الأخبار غير صحيحة، وأحياناً يكون هناك تعمد لبث الإشاعات وهذا خطأ نقع فيه جميعاً عندما ننقل عنها وتلك أبرز سلبياتها. وعلى نحو آخر فإن إيجابياتها تكمن في أنها مصدر نستمد منه الموضوعات ونستطيع من خلاله قياس الرأي العام أحياناً ويمكن من خلالها تغيير كثير من السلبيات مثل الحملة الأخيرة حول منع النقل الثقيل بعد حوادث خطيرة. ولكن لابد من أن يراعي فريق عمل البرنامج الدقة ومراجعة الخبر والتأكد من مصدره ويفضل أن يكون الاعتماد على مصادر موثقة وتجنب المشكوك فيها، فالأهم هو صحة الخبر وليس الضجة الإعلامية المصطنعة من خلال أخبار كاذبة».