المسودة الأخيرة لاتفاق التعاون العسكري التي بعثها مسؤولون أميركيون إلى فصائل سورية معارضة وحصلت «الحياة» على نسخة منها، تضمنت تراجع واشنطن عما جاء في المسودة التي أرسلها المبعوث الأميركي مايكل راتني إلى المعارضة قبل أيام، إضافة إلى كونها تعكس حقيقة أن القوات النظامية وأنصارها أعادت بدعم روسي حصار الأحياء الشرقية لحلب. لكن المسودة تحض المعارضة على طرد تنظيم «القاعدة»، أي «جبهة النصرة» قبل تغيير اسمها إلى «فتح الشام»، من مناطقها كي لا تتعرض لهجمات أميركية- روسية. ولا تتضمن المسودة تعهد موسكو ب «إجبار النظام السوري على الامتثال» لوقف قصف المعارضة، مقابل نصها صراحة على أن الاتفاق يتناول طريق الكاستيلو مع تجاهل طريق الراموسة الذي كانت فصائل المعارضة سيطرت عليه وفكت الحصار عن شرق حلب، قبل أن تعيد القوات النظامية وإيران وروسيا فرض الحصار عليه من جديد، إضافة إلى تجاهل جنوب غربي حلب، ولكنها تتضمن بوضوح أمرين: الأول تشكيل خلية أميركية- روسية لمحاربة تنظيم «القاعدة» بما في ذلك «النصرة» قبل أن تتحول إلى «فتح الشام»، الأمر الذي يفسر مقتل «أبو عمر سراقب» أحد قادة «جيش الفتح» بغارة لم يعرف ما إذا كانت أميركية أو روسية أو سورية، علماً أنه أحد الذين كانوا ضد فك «النصرة» علاقتها ب «القاعدة». وتضمنت تعاون فصائل المعارضة في الحرب ضد «القاعدة». الثاني، تأكيد المسؤولين الأميركيين في رسالتهم إلى الفصائل المعارضة، أن الهدف النهائي يرمي إلى «إيجاد جو من التفاوض لأجل تسوية تتضمن رحيل (الرئيس بشار) الأسد». وتبدأ الوثيقة بتأكيد أن الهدف من الاتفاق هو «وقف أعمال القصف الجوي والمدفعي السوري والروسي والسماح بدخول المساعدات الإنسانية وإيجاد جو من التفاوض لتسوية تتضمن رحيل الأسد بموجب القرار 2254»، إضافة إلى الإفادة من إمكانات روسيا في الحرب ضد الإرهاب و «تكريس اتفاق وقف الأعمال العدائية لتمكين العملية السياسية الضرورية لإنهاء حكم الأسد ونقل سورية نحو تشكيل حكومة مستقرة تمثل جميع الأطراف المعنية». ماذا يجري؟ أوضحت الرسالة أنه «في اليوم الأول لدخول اتفاق وقف الأعمال العدائية حيز التنفيذ، يتوجب على كل الأطراف المشمولة به أن تتعهد مجدداً الالتزام بالاتفاق بشكل كامل والتقيد ببنوده كافة وفق الاتفاق في شباط (فبراير) الماضي، لمدة 48 ساعة وتمديده في حال نجاحه. وتنص هذه الشروط على وقف جميع الهجمات بما في ذلك القصف الجوي والصاروخي ومدافع الهاون والقذائف الموجهة المضادة للدبابات، والامتناع عن محاولة الاستيلاء على مناطق تحت سيطرة أي طرف من أطراف الاتفاق»، إضافة إلى السماح لوكالات الإغاثة بدخول «آمن وسريع من دون أي إعاقة وبوتيرة مستمرة إلى المناطق التي تقع تحت سيطرتها والسماح بتسهيل إيصال المساعدات» وعدم استخدام القوة المفرطة «إلا في حال التهديد المباشر والدفاع عن النفس». ويقوم الطرفان الأميركي والروسي بتشكيل «خلية تنفيذ مشتركة لإلحاق الهزيمة ب «القاعدة» المعروف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، وهزيمة «داعش» في سورية على حد سواء، في سياق تعزيز اتفاق وقف الأعمال العدائية ودعم العملية الانتقالية السياسية بحسب القرار 2254»، وفق المسودة. وزادت أن الجهود العسكرية ترمي إلى «العمل على اتخاذ التدابير اللازمة كافة لعدم وقوع ضحايا بين صفوف غير المقاتلين، والعمل أيضاً على التزام قوانين حقوق الإنسان، والتطبيق الكامل لاتفاق وقف الأعمال العدائية» وعلى العمل عبر «خلية التنفيذ» بتنسيق العمليات العسكرية ضد «القاعدة» والعمل «معاً على بذل أقصى الجهود بشكل مستقل أحدهما عن الآخر لكن بصورة متناسقة ضد داعش في سورية» باستثناء الأهداف التي يتم الاتفاق عليها. وزادت أن واشنطن «مصممة على وضع موسكو أمام مسؤولياتها حول التزاماتها بشأن تصرفات نظام الأسد من الآن فصاعداً. كما أن الخلية لن يتم تشكيلها بصورة رسمية إلا بعد مضي سبعة أيام من إظهار اتفاق وقف الأعمال العدائية نتائج ملموسة وتخفيف أعمال العنف في سائر أرجاء سورية. إن مواصلة مشاركة الولاياتالمتحدة الأميركية في الخلية يتوقف على التزام موسكو ونظام الأسد والقوات الموالية بالاتفاق». كما طالبت واشنطن، بحسب الوثيقة، موسكو «بالوفاء بشرط وقف القصف الجوي الذي يقوم به النظام السوري في مناطق محددة. ومجرد تشكيل الخلية، وهي تشمل المناطق التي تشكل فيها المعارضة الكفة الراجحة، ومناطق التواجد المكثف للقاعدة في سورية، وكذلك المناطق التي تشكل فيها المعارضة الكفة الراجحة مع تواجد لعناصر القاعدة في سورية» مع استثناءات تتعلق بالإخلاء الطبي وغيره. وزادت: «تعهدت روسيا للولايات المتحدة الأميركية بأن طيران النظام لن يقوم بأي عمليات قتالية جوية. لكن بإمكان قوات النظام العسكرية القيام بنشاطات جوية ضد القاعدة في سورية خارج نطاق المناطق المحددة». ترتيبات حلب أفادت المسوّدة أن واشنطن ألحت على ترتيبات محددة في حلب، إذ إنه منذ اليوم الأول لدخول اتفاق وقف العمليات حيز التنفيذ «سيتم توزيع مساعدات الإنسانية بالتنسيق مع الأممالمتحدة. وستقوم بعثة المراقبة التابعة لها بأعمال التفتيش والتختيم الشمعي للشاحنات المخصصة لنقل المساعدات الإنسانية عبر طريق الكاستيلو إلى شرق حلب. ولن يتم كسر التختيم، كما أنه لن يتم فتح الشاحنات من قبل أي سلطة، بدءاً من نقطة التفتيش والتختيم في تركيا حتى تصل الشاحنات إلى مخازن التفريغ التابعة للأمم المتحدة وشركائها شرق وغرب حلب»، بحيث يقوم موظفو الأممالمتحدة والهلال الأحمر السوري ب «إقامة حاجزي تفتيش في المناطق المتفق عليها للتأكد من أن الشاحنات التي تم تفتيشها هي الوحيدة التي سيسمح لها بالسير على الطريق المذكورة، والتحقق من أن الأختام غير مكسورة. وستقوم قوة صغيرة لا تتعدى عشرين مسلحاً في الوردية الواحدة، يتم تقديمها وقبولها من كل الطرفين (المعارضة والحكومة)، بحماية طواقم الهلال الأحمر في نقاط التفتيش في نهايتي طريق الكاستيلو الشرقية والغربية». ومن المقرر أن تنسحب القوات الموالية للنظام ووحدات المعارضة في آن واحد من طريق الكاستيلو بالتزامن مع إقامة حاجزي التفتيش المذكورين. وستُعتبر المناطق التي يتم الانسحاب منها مناطق منزوعة السلاح». المطلوب من النظام يجب على قوات النظام السوري القيام بما يلي: «سحب جميع الأسلحة الثقيلة كالدبابات، والمدفعية وصواريخ المورتر والعربات المصفحة القتالية وعربات المشاة القتالية (ما عدا بي تي آر- 60 وبي أم بي-1 غير المزودة بصواريخ موجهة مضادة للدبابات)، وذلك إلى مسافة 3.5 كيلومتر شمال الكاستيلو، وسحب الأسلحة المحمولة المركبة على العربات، و «بي تي آر -60» و «بي أم بي-1» غير المزودة بصواريخ موجهة مضادة للدبابات إلى مسافة 2.5 كيلومتر شمال الطريق، وسحب جميع الأفراد ما عدا الأشخاص الموجودين في نقطتي التفتيش إلى مسافة كيلومتر شمال الطريق على أن يكونوا مسلحين بأسلحة خفيفة فقط أو رشاشات خفيفة». وجنوب طريق الكاستيلو، سيتم سحب جميع الأفراد والأسلحة والمعدات إلى 500 متر من الطريق وإقامة نقطتي مراقبة على مسافة لا تقل عن 500 متر شمال الطريق، وسيتم الاتفاق المتبادل على مكان نقطتي المراقبة، اعتماداً على التضاريس، وسيقوم على النقطتين فريق لا يتجاوز عدد أفراده 15، مزودين بمعدات المراقبة وأسلحة خفيفة بغرض الدفاع عن النفس، إضافة إلى عدم إعاقة أي حركة سير ذات أهداف إنسانية، مدنية، أو تجارية على طريق الكاستيلو وعدم الاستيلاء على أي مناطق تخليها جماعات المعارضة، وعدم إقامة مواقع في المنطقة المنزوعة السلاح، ما عدا نقطتي المراقبة. «المطلوب من المعارضة» بالتزامن مع خطوات القوات النظامية، تنتشر قوات المعارضة في النهاية الشرقية لطريق الكاستيلو وفق خريطة تسلم لاحقاً بحسب «ما ستقوم به وحدات الميليشيات الكردية»، بما يعني: إن كان الأكراد موجودين شمال طريق الكاستيلو تواصل المعارضة بقاءها في مواقعها. أما إذا انسحب الأكراد إلى مسافة 500 متر جنوب الطريق تُعتبر المنطقة التي يتم الانسحاب منها منطقة منزوعة السلاح وعلى المعارضة التراجع 500 متر شمال الطريق»، بحسب المسودة. وفي النهاية الغربية للكاستيلو، عند نقطة التماس الممتدة شمال المجمع التسويقي للكاستيلو، يتزامن تراجع المعارضة السورية مع تراجع القوات الموالية للنظام السوري. أما قوى المعارضة المتواجدة شمال المجمع التسويقي في المربع 15/31 من الخريطة المتفق عليها، فستقوم ب «سحب جميع الأسلحة الثقيلة، كالدبابات والمدفعية وصواريخ المورتر والعربات المصفحة القتالية وعربات المشاة القتالية (ما عدا بي تي آر -60 وبي أم بي-1 غير المزودة بصواريخ موجهة مضادة للدبابات) ، وذلك إلى ثلاثة كيلومترات، وسحب الأسلحة المحمولة المركبة على العربات، و بي تي آر -60 وبي أم بي-1 غير المزودة بصواريخ موجهة مضادة للدبابات إلى مسافة 2.5 كيلومتر، إضافة إلى سحب جميع الأفراد إلى مسافة كيلومتر على أن يكونوا مسلحين بأسلحة خفيفة فقط أو رشاشات خفيفة. أما على الجزء الذي يمتد من المجمع التسويقي للكاستيلو إلى قرب مستديرة ليرمون، على جماعات المعارضة التراجع بأفرادها وعتادها إلى مسافة 500 متر شمال من طريق الكاستيلو، وذلك بشكل مطابق لانسحاب القوات الموالية للنظام السوري مسافة 500 متر جنوب طريق الكاستيلو بين النقطتين المذكورتين. وتطلب الوثيقة من المعارضة «التزامات إنسانية» مشابهة للنظام، إضافة إلى أن «المعارضة ستبذل أقصى الجهد لمنع قوات القاعدة في سورية من التقدم نحو المنطقة المنزوعة السلاح من مناطق تقع بمحاذاة المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة». وتابعت: «يجب السماح لأي سوري يرغب في الخروج من حلب عبر طريق الكاستيلو، بمن فيهم المدنيون وقوات المعارضة المسلحة مع أسلحتها. يجب الإدراك التام أنه ينبغي عدم إلحاق الأذى بأي منهم، وبأن لهم الحق في اختيار الوجهة التي يريدونها. وعلى المعارضة المسلحة التي تصطحب معها أسلحتها خلال خروجها من حلب أن تقوم بتنسيق مسبق مع ممثلي الأممالمتحدة لإبلاغهم بتوقيت استخدامها طريق الكاستيلو عند الخروج، بالإضافة إلى إبلاغهم بعدد الأفراد الذين سيخرجون وكمية السلاح التي سيحملونها خلال الخروج، مع الإدراك التام بعدم إلحاق الأذى بالمدنيين». وزادت أنه على «قوات المعارضة التزام شروط (اتفاق) الأعمال العدائية، والذين يختارون البقاء في حلب». استثناء جنوب غربي حلب على كل طرفي المعارضة والقوات الموالية للنظام، بحسب الوثيقة، عدم محاولة الاستيلاء على مناطق جديدة تقع تحت سيطرة الطرف الآخر، وستعمل الولاياتالمتحدة الأميركية مع الأطراف الموقعة على هذا الاتفاق لإخراج «القاعدة» في سورية من هذه المناطق المحددة». وأشارت إلى أن هذا الاتفاق لا ينطبق على المجموعات المعارضة الموجودة في المنطقة الجنوبية الغربية من حلب، ضمن المنطقة الواقعة حول الراموسة، إضافة إلى أنه «لا ينطبق ينطبق على داعش أو القاعدة في سورية، حيث إن هاتين المجموعتين هما منظمتان إرهابيتان سنبدأ باستهدافهما بالعمل مع روسيا. وعليكم إزالة القاعدة من المناطق التي تقع تحت سيطرتكم لتجنب استهدافكم خلال قيامنا بعمليات هجومية ضد العناصر الإرهابية في سورية وفقاً لاتفاقنا مع الروس». كما حضت الوثيقة الأميركية مقاتلي المعارضة على إعطاء الاتفاق «فرصة للنجاح» وعلى ضرورة «التزام وقف العمليات القتالية وعدم القيام بأي أعمال هجومية خلال فترة الاتفاق ضد قوات النظامية أو القوات الموالية له أو القوات الروسية». وتابعت: «ندرك تماماً بأن اتفاقات وقف الأعمال العدائية السابقة خرقت مراراً من قبل نظام الأسد وحلفائه، وعليكم مواصلة الإبلاغ عن مثل هذه الخروقات»، مع التعهد باستمرار تقديم الدعم المادي والسياسي و «السلاح الفتاك وغير الفتاك لدعم حقكم بالدفاع عن أنفسكم ضد أي هجوم». تكشف الوثيقة تراجعاً في موقف واشنطن واختلافاً في ميدان معارك حلب قياساً الى المسودة السابقة. اذ كان راتني أبلغ المعارضة برسالة في 3 الشهر الجاري: «قلنا للروس إن عليهم هم والنظام إنهاء الهجمات على المعارضة وإعادة التزام الهدنة وانسحاب النظام من طريق الكاستيلو وإنهاء القتال حول طريق الراموسة والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى حلب من خلال كل من طريقي الراموسة والكاستيلو وإنهاء الهجمات والعمليات الهجومية في جميع أنحاء البلاد، وقلنا إن كل هذه الأمور يجب أن تتم قبل أن تنفذ الولاياتالمتحدةوروسيا أي اتفاق». لكن القوات النظامية استعادت بدعم روسي- إيراني الراموسة وأعادت فرض الحصار على شرق دمشق. التراجع الآخر يتعلق بوقف الطيران السوري، إذ إن رسالة راتني نصت: «نعتقد بأنهم (الروس) سيجبرون النظام على الامتثال، لكن علينا أن نختبر هذا الأمر، فكما قلنا في العديد من المرات، إن التفاهم مع روسيا لن يكون قائماً على الثقة».