الهدنة الإنسانية لمدة 48 ساعة أسبوعيا في حلب، التي اقترحتها الأممالمتحدة ووافقت عليها روسيا، هي نقطة تقاطع بين واشنطنوموسكو حيث يسعى كل طرف للضغط على حلفائه الإقليميين والسوريين للوصول إليها. والجديد هو «مقاومة» فصائل معارضة وإسلامية ضغوطاً هائلة، بما فيها من واشنطن، وتلويح المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا وقوى دولية بتحميل هذه الفصائل مسؤولية عرقلة إغاثة حلب وتمسكها برفض اعتماد معبر الكاستيلو طريقاً لمرور القوافل وانتشار قوات روسية في حلب، مقابل اقتراح طريق من حدود تركيا إلى الراموسة. وضعت الأممالمتحدة خطة لتقديم مساعدات إنسانية إلى مناطق النظام في الأحياء الغربية في حلب وتضم 1.2 مليون وإلى مناطق المعارضة في الأحياء الشرقية وتضم 250 ألف شخص، بحيث تعبر 40 شاحنة من حدود تركيا إلى طريق الكاستيلو الذي كانت قوات النظام وحلفائه سيطرت عليه في 17 تموز (يوليو) الماضي وفرضت حصاراً على الأحياء الشرقية. موسكو أبلغت فريق دي ميستورا الموافقة على اقتراحه بضرورة وقف القتال ل 48 ساعة أسبوعياً لتقديم الإغاثة. فصائل المعارضة، في غرفة عمليات حلب التي تضم الفصائل المدرجة على قائمة «غرفة العمليات العسكرية» بقيادة وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) في جنوبتركيا وفي «جيش الفتح» التي تضم فصائل إسلامية بينها «أحرار الشام الإسلامية» و «فتح الشام» (جبهة النصرة سابقاً)، رفضت الخطة أولاً لأنها لا تتضمن إدراج مناطق جنوب غربي حلب التي كانت هذه الفصائل سيطرت عليها بداية الشهر الجاري وكسرت الحصار على الأحياء الشرقية لحلب، ضمن مناطق الهدنة. وقدمت اقتراحاً بديلاً يجري بموجبه نقل الإغاثة من باب الهوى في إدلب على حدود تركيا إلى الأتارب وخان طومان في ريف حلب ثم إلى معبر الراموسة الذي اعتمدته هذه الفصائل معبراً للمناطق المحاصرة. كان هذا محور لقاء بين الفصائل وفريق دولي في 22 الجاري. الخميس الماضي، كان دي ميستورا واضحاً في اجتماعه مع «مجموعة العمل للمساعدات الإنسانية» برئاسة أميركا وروسيا في جنيف، إذ حمل المعارضة مسؤولية عدم تنفيذ خطته التي حظيت بموافقة موسكو. وقال إن الطريق الوحيد الذي سيوافق عليه هو المؤدي إلى معبر الكاستيلو، معتبراً الطريق المقترح من المعارضة «خطراً وغير آمن». وقال في لغة تحذيرية إنه على الدول الكبرى والإقليمية ممارسة الضغوط على دمشق والمعارضة لإقرار خطة المساعدة الإنسانية، وإلا فإنه سيحدد مسؤولية الفشل لمن لم يوافق على الخطة. وكان الاجتماع السابق ل «المجموعة الإنسانية» تضمن تحميل المعارضة أيضاً المسؤولية على معاناة حلب من العطش لأن محطة الطاقة قرب مدرسة المدفعية تعطلت بعد تقدم فصائل إسلامية ومعارضة جنوب غربي حلب. كما أن مستشار «المجموعة الإنسانية» قال إن الخطة الدولية تتضمن إصلاح محطة الكهرباء لتوفير المياه، حيث وضعت خطة مع برنامج الإنماء الدولي لتصليح هذه المحطات بتمويل خارجي. ضمن هذا السياق، جاء لقاء وزير الخارجية الأميركي جون كيري وسيرغي لافروف في جنيف أول من أمس. المحادثات الماراثونية التي استمرت 12 ساعة وشارك في بعضها دي ميستورا، فشلت في التوصل إلى صيغة لمحاربة الإرهاب وفصل الفصائل المعتدلة عن «جبهة النصرة»، وفشل في تجديد اتفاق وقف العمليات القتالية، على خلفية عدم التفاهم على كيفية الرد على أي طرف يخرق الاتفاق ويقوم بعمليات هجومية لكسب أراض، لكن نقطة التقاطع كانت المساعدات الإنسانية وهدنة حلب. هنا، أضيف تعقيد إضافي على خلفية توقيت تنفيذ اتفاق التسوية في مدينة داريا جنوب غربي دمشق وتهجير المدنيين والعسكريين من هذه المدينة التي انخفض عدد سكانها من 75 ألفاً إلى ثمانية آلاف جراء المعارك والحصار والقصف و «البراميل المتفجرة»، إذ إن كيري قال إن النظام السوري «فرض استسلام» داريا، في تناقض مع اتفاق وقف العمليات القتالية في شباط (فبراير)، لكن لافروف قال إن هذا الاتفاق المحلي «مثال» لا بد من «تكراره». وإذ نأت الأممالمتحدة عن اتفاق داريا، شددت على أهمية أن تكون مغادرة الأهالي «طوعية»، في وقت أضافت هذه التسوية ضغوطاً شعبية على فصائل المعارضة في حلب. بمجرد انتهاء لقاء كيري- لافروف، بعث المبعوث الأميركي مايكل راتني برسالة إلى المعارضة تضمنت أن واشنطن «تتفهم تحفظات المعارضة حول الخطة (الدولية- الروسية لإغاثة حلب) واحتمال استغلالها من النظام لتحقيق مكاسب سياسية. لكن علينا النظر إلى هذه الخطة على أساس أنها خطة إنسانية فقط وأن نترك القرار للأمم المتحدة لتحديد الطريقة الأكثر أماناً وفاعلية لإيصال المساعدات إلى حلب. إذ تقوم الأممالمتحدة بوضع آلية لضمان بقاء طريق الكاستيلو مفتوحاً». وأضاف راتني: «إصرار المعارضة على استخدام طريق الراموسة سيظهرها كأنها تمنع وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين. أؤكد أن الأممالمتحدة لم تختر الكاستيلو لأن النظام حدده بل على أساس تقويمها للظروف الأفضل على الطريق. لذلك نطلب من المعارضة إظهار مسؤوليتها والعمل لإنجاح الخطة لأجل المدنيين في حلب». بعد ذلك، أعلنت «غرفة فتح حلب» بياناً تضمن «الترحيب» بقوافل الإغاثة من باب الهوى إلى الراموسة، و «نتعهد حماية» الطريق، وهو «الأقصر والأسرع لوجستياً»، مشيرة إلى أنه أمام الإصرار على طريق الكاستيلو، «لا يسعنا إلا القبول» ضمن شروط، بينها أن تكون هدنة ال48 ساعة شاملة لجميع المناطق المحاصرة، بما فيها غوطة دمشق وحي الوعر في حمص وريف حمص الشمالي ومضايا في ريف دمشق، وأن يكون إدخال المساعدات متزامناً «من دون استثناء»، إضافة إلى اعتبار طريق الراموسة رديفاً وموازياً للكاستيلو لإغاثة شرق حلب. وفوضت «الهيئة التفاوضية العليا» المعارضة ومنسقها رياض حجاب بالتفاوض مع الأممالمتحدة على الأمور الفنية لإيصال المساعدات إلى ثاني أكبر مدينة في سورية. اقتراح «فتح حلب» التوازي بين الكاستيلو والراموسة لم يحظ بقبول فصائل كبرى. وبعد اتصالات مع دول إقليمية وقياديين، بعثت كبريات الفصائل، بينها «أحرار الشام» و «فيلق الشام» و «جيش المجاهدين» و «نور الدين الزنكي» رسالة إلى الأممالمتحدة ودول غربية استكمالاً لمحادثات جرت مع فريق دولي في 22 الجاري، تضمنت شرح للموقف من «اقتراح الكاستيلو» تضمن التأكيد على أن طرق الإغاثة تكون آمنة عندما تكون جزءاً من وقف النار. وبعدما أشارت الرسالة- البيان إلى أن اختيار طريق الكاستيلو يشرعن سيطرة النظام عليه ويعطي ميزة عسكرية مع ترك طريق الراموسة عرضة للقصف من دون حماية، قالت: «الاقتراح الحالي يعطي ميزة للنظام، باعتبار أن الطريق المقترح يمر في مناطقه. حيث سيستخدمه إعلامياً في وقت يحرق البلاد»، إضافة إلى «القلق من دور روسيا، التي تدعم النظام في قتل المدنيين، في الرقابة على النقاط والحواجز على طريق الكاستيلو. ويجب ألا تكون المساعدات الإنسانية غطاء لنشر قوات روسية في حلب». دي ميستورا، من جهته، أشار إلى إدراكه عناصر القلق لدى المعارضة، لكنه أسف لردها السلبي وأكد على أن اختيار الكاستيلو كان لأسباب عملياتية لإيصال مساعدات إلى 80 ألفاً شرق حلب ولإصلاح الكهرباء لخدمة 1.8 مليون شخص، على أمل إرسال قوافل إضافية عبر طرق أخرى، خصوصاً أن موسكو التزمت العمل بموجب المعايير الدولية وحصلت على موافقة دمشق. وأشار إلى أنه سيحدد اليوم مسؤوليات الأطراف، داعياً إلى «عدم التصعيد في المناطق المشمولة بالمساعدات أو المجاورة لمناطق الهدنة». لقاء كيري ولافروف وفي جنيف (رويترز)، فشل كيري ولافروف في التوصل لاتفاق في شأن التعاون العسكري ووقف العمليات القتالية في سورية، لكنهما قالا إن أمامهما قضايا قليلة «محدودة» يتعين حلها قبل إمكان الإعلان عن التوصل لاتفاق. وقال كيري ولافروف في مؤتمر صحافي مشترك، بعد محادثات متقطعة، إن فريقين من الجانبين سيحاولان بحث التفاصيل النهائية في الأيام المقبلة في جنيف. وأوضح كيري أن الجانبين «حققا وضوحاً في شأن الطريق إلى الأمام» وأن معظم الخطوات نحو تجديد هدنة وخطة إنسانية تم التوصل إليهما في شباط استُكملت خلال المحادثات. وأضاف: «لا نريد اتفاقاً من أجل الاتفاق. نريد إنجاز شيء فعال يفيد الشعب السوري ويجعل المنطقة أكثر استقراراً وأمناً ويأتي بنا إلى الطاولة هنا في جنيف لإيجاد حل سياسي». وتعقدت المحادثات جزئياً، بسبب هجوم كبير في الجزء الجنوبي من مدينة حلب المقسمة بقيادة بعض من جماعات المعارضة المدعومة من الولاياتالمتحدة التي تختلط مع الجماعة التي كانت تعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة» التي تشارك أيضاً في القتال ضد الرئيس بشار الأسد. وتتركز هذه المحادثات الفنية في شكل أساسي على كيفية فصل جماعات المعارضة عن المتشددين. وقال لافروف لا بد من تحديد الجماعات التي تمثل جزءاً من اتفاق وقف العمليات القتالية «في شكل قاطع». وقال كيري: «لقد استكملنا الغالبية العظمى من تلك المحادثات الفنية التي ركزت في شكل أساسي على جعل هذه الهدنة حقيقة وتحسين المساعدات الإنسانية ومن ثم جعل الأطراف تجلس على الطاولة حتى نستطيع أن نجري مفاوضات جادة في شأن كيفية إنهاء هذه الحرب». وقال كل من كيري ولافروف أن هناك بضع مسائل لا بد من الانتهاء منها قبل إمكان التوصل لاتفاق، وحذرا من إمكان انهيار الاتفاق ما لم يتم سريان «فترة تهدئة» قبل إمكان تنفيذه. وأوضح كيري «لدينا بضع مسائل محدودة يتعين حلها. وفي الأيام المقبلة، سيلتقي خبراؤنا هنا في جنيف للانتهاء من القضايا الفنية البسيطة المتبقية وللتحرك قدماً للأمام لاتخاذ خطوات لبناء الثقة، للتغلب على انعدام الثقة في شكل عميق بين كل الأطراف». ويعتقد كيري أن هذه الخطة هي أفضل فرصة للحد من القتال الذي دفع بآلاف السوريين إلى الذهاب إلى المنفى في أوروبا وحال دون وصول مساعدات إنسانية إلى عشرات الآلاف الآخرين. وقال كيري: «هذه الهدنة لا بد من إصلاحها إذا كانت ستحقق تقليص العنف الذي يريده الشعب السوري ويستحقه ويفتح فرصة لنا كي نكون قادرين على الجلوس على الطاولة هنا في جنيف وإجراء مفاوضات حقيقية في شأن المستقبل والتوصل لحل سياسي لتحدي سورية».