لاستطلاعات الرأي دلالة مهمة على تقدم تلك الدولة من ناحية الانفتاح والتعددية والديموقراطية، لذا نجد معظم الدول الغربية ذات الأنظمة الليبرالية الديموقراطية توجد بها الكثير من مراكز الأبحاث التي تُعنى باستطلاعات الرأي العام، وتعتبر هذه من دلالة الانفتاح والشفافية في تلك الدول، والعكس قد يكون صحيحاً، فكلما قلت مراكز استطلاعات الرأي العام فهذا يعطي انطباعاً أن مثل هذه الأنظمة تميل إلى الشمولية في أنظمتها السياسية وهي الحال في معظم دول منطقتنا العربية، ما يجعل مثل هذه الدراسات تقوم بها جامعات ومراكز أبحاث غربية على شعوبنا، خصوصاً مع تطور التقنية المعلوماتية في هذا المجال، وعند صدور مثل هذه الدراسات مع نتائج لا نتفق مع مضامينها، فإننا نشكك بها وإنها غير علمية، وكأن ما نقوم به نحن في جميع قضايانا يعتمد على العلمية كمنهج في الدراسة والبحث وهذا غير ذلك. لقد لفتت نظري دراسة لاستطلاع الرأي العام العربي صدرت حديثاً من جامعة ميرلاند الأميركية، قام بها مركز أنور السادات للسلام والتنمية، وأشرف عليها الدكتور شبلي متحمي بالتعاون مع مؤسسة زغبي الدولية، وقد بلغت عينة الدراسة 3,976 فرداً من خمس دول عربية هي السعودية ومصر ولبنان والمغرب والأردن والإمارات العربية المتحدة. وقد كانت عينتا السعودية ومصر من الدراسة هما الأكبر مقارنة بالدول العربية المشمولة بهذا الاستطلاع. لقد أظهرت الدراسة بأن هناك تراجعاً في النظرة الإيجابية المتحدة للرئيس أوباما مقارنة بالعام 2009، إذ إن من يعتقدون بنظرة سلبية إلى الرئيس أوباما شخصياً قد ارتفعت بشكل ملاحظ وصلت إلى نسبة 62 في المئة، مقارنة ب23 في المئة لعام 2009. أما من يعتقدون بأن السياسة الأميركية في المنطقة غير مشجعة فإنها قد وصلت إلى 63 في المئة مقارنة مع عام 2009 التي كانت عند 15 في المئة، قد أعطت الدراسة أسباباً لهذا التغير في النظرة التشاؤمية من سياسة الإدارة الأميركية الحالية في منطقة الشرق الأوسط، أتت على رأسها قضية الصراع العربي الإسرائيلي بنسبة مرتفعة، تليها العراق والموقف من الإسلام، أما قضايا حقوق الإنسان ونشر الديموقراطية والمساعدات الاقتصادية فإنها لم تحظَ بتلك الأهمية من عينة الدراسة. أما القضايا التي تحظي بالرضا في هذا الاستطلاع حول سياسات الإدارة الأميركية في العام الماضي فإن الموقف من الإسلام والمساعدات الاقتصادية أتت في المراتب المتقدمة، أما الموقف من الصراع العربي الإسرائيلي أو قضية العراق فتأتي في مراتب متأخرة، وهذا يعطي بأن قضيتي الصراع العربي الاسرائيلي والعراق هما من يحددان الموقف من الولاياتالمتحدة الأميركية وسياساتها في منطقتنا، وقد أوضحت الدراسة أن الوصول إلى سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل والانسحاب من العراق وكذلك وقف المساعدات الأميركية لإسرائيل ستزيد من النظرة الايجابية للولايات المتحدة الأميركية في نظر الشعوب العربية. وحول أكثر العوامل المؤثرة في سياسة أميركا في منطقة الشرق الأوسط، أوضحت الدراسة أن حماية إسرائيل، والتحكم بالنفط، وإضعاف العالم الإسلامي هي من العوامل التي تعتقد عينة الدراسة أنها مؤثرة في السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط. ويعتقد نحو 51 في المئة من عينة الدراسة أنهم متشائمون من الرئيس أوباما شخصياً ومن سياسته الخارجية، أما المتفائلون تجاه الرئيس أوباما وسياسته الخارجية، فهم أقل نوعاً ما ويعتقدون أن النظام الأميركي لن يسمح له باتباع سياسة خارجية ناجحة. أما حول إسرائيل نفسها فقد أظهرت النتائج أن النسبة الأكبر تعتقد أن إسرائيل ضعيفة عكس ما تظهر من قوة وتليها من يعتقدون أن إسرائيل لديها عوامل ضعف وعوامل قوة. ويعتقد نحو 56 في المئة من عينة الدراسة أنهم مستعدون للسلام مع إسرائيل في حال انسحابها من الأراضي العربية المحتلة في 1967 ومن ضمنها القدسالشرقية، ولكن إسرائيل لن تتخلى عن هذه الأراضي العربية بهذه السهولة، أما من يعتقدون بأن على العرب الاستمرار في محاربة إسرائيل حتى لو أعادت الأراضي المحتلة في حرب 67 فإنهم يمثلون نسبة قليلة. وقد عبّر نسبة كبيرة من المشمولين في هذا الاستطلاع وصلت إلى النصف أن أسباب ودوافع السياسات الإسرائيلية في المنطقة والدعم الأميركي يحركه مصالح إسرائيل الذاتية والتأثير الأميركي على إسرائيل. [email protected]