نجح الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله في كسب جولة في ما وصفه «معركة الرأي العام» التي قال بصراحة انها هدف أساسي من أهداف مؤتمره الصحافي الذي عقده الاثنين الماضي، ويبقى ان يكسب المعركة «القضائية» و «القانونية» و «الجنائية» في الحملة الاستباقية التي يخوضها الحزب على احتمال صدور قرار ظني رددت الأنباء احتمال أن يتهم أفراداً في «حزب الله» بالتورط في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وهذا التحدي مطروح عليه مثلما هو مطروح على المدعي العام الدولي القاضي دانيال بلمار في قراره الظني المنتظر. ففي «معركة الرأي العام» هذه استطاع نصرالله أن ينطلق من إنجاز تمكّن المقاومة منذ التسعينات من اختراق بث إسرائيل صور استطلاعاتها الجوية انطلاقاً من طائرات التجسس التي تحوم ولا تزال في سماء لبنان. وهو بنى على هذا الإنجاز المبهر في ما يخص قدرات الحزب في المواجهة مع إسرائيل، من أجل تقديم عرض منهجي لعمليات الرصد الجوي المحتمل لطرق يسلكها موكب الرئيس الراحل، ولاحتمال اشتراك عملاء لإسرائيل أُلقي القبض عليهم أو هربوا في التخطيط للجريمة أو التحضير لها أو المشاركة في تنفيذها، كفرضية. وهذه المنهجية في عرض حجج السيد نصرالله لقيت إعجاباً، حتى لدى من لا يقر برأيه والفرضية التي طرحها، نظراً الى انها تمت بكفاءة عالية من كوادر الحزب، على رغم ان تصريحات صدرت من سياسيين لبنانيين اعتبروا انها لم تحمل جديداً أو دليلاً يُثبت الفرضية التي يسعى إلى دفع التحقيق للتدقيق فيها. ومع أن السيد نصرالله أقر بأن ما عرضه ليس أدلة بل قرائن ومعطيات طالباً من الحكومة ان تدرسها، فإنه في إعطائه الأولوية لفرضية اتهام إسرائيل أوصل الى جملة نتائج منها أنه أسقط فرضيات كان يرددها بعض حلفاء الحزب من الذين يعتبرون المحكمة الدولية مسيّسة والتي كانت تتحدث تارة عن دور محتمل لمجموعة أصولية عُرفت بمجموعة ال13 التي نُسب لبعض أفرادها أنهم أدلوا بمعلومات عن دور الأصوليين في الجريمة، أو عن دور محتمل لمجموعة إسلامية أخرى عُرفت بمجموعة المسافرين الى أستراليا الذين اشتبه بهم القضاء اللبناني فور وقوع الجريمة ثم استبعد الشك فيهم وأُعيد الى التداول في السنوات الماضية... كما ان ما قدمه السيد نصرالله تجنب موضوع العبث بمسرح الجريمة الذي يعتبره مؤيدو المحكمة دافعاً رئيساً لتشكيل لجنة التحقيق الدولية قبل المحكمة... وهو أسقط فرضية ان اغتيال الحريري حصل بسبب اتهامه بالوقوف وراء القرار 1559 مع سياسيين آخرين تعرضوا لمحاولات اغتيال وتهديد. لكن من نتائج النجاح الذي حققه نصرالله في عرضه حججه، هو تمكين الحزب والجهات الحليفة له من اتهام خصومه إذا لم يأخذوا بفرضيته، بأنهم مع «إسرائيل» وأنهم «يبرئون اسرائيل». وقد يتطور الاتهام الى ما هو أكثر من ذلك في سياق خوض الحزب «معركة الرأي العام»، والتي يُرجّح ان تمهد لمعركة سياسية مقبلة حول الموقف من المحكمة الدولية، إذا هي وجّهت الاتهام في غير الوجهة التي أكد عليها السيد نصرالله. بل ان ما تسوقه اسرائيل من اتهامات للحزب بالضلوع في الجريمة، يسهّل على الحزب اتهام المحكمة بأنها «مشروع إسرائيلي»، واتهام خصومه الذين يدافعون عن المحكمة بأنهم بالتالي، ينسجمون مع هذا المشروع. لقد سبق للحزب ان استخدم هذا الاتهام حين حصل الخلاف بين قوى 8 آذار وقوى 14 آذار على طلب الحكومة إنشاء المحكمة من مجلس الأمن بحجة ان لدى الحزب ملاحظات على نظام إنشائها، ولم يحصل أي كان عليها حتى الآن، فانسحب العام 2006 من الحكومة وتصاعد الخلاف، ومعه الاتهامات، وصولاً الى الاعتصام الشهير في وسط بيروت، انتهاء ب7 أيار 2008، فالتعقيدات التي تحيط بالوضع اللبناني، إقليمياً ودولياً، تتيح مزج هذا بذاك وتسمح بخوض المعارك بشعارات بعيدة من جوهر القضية الفعلية. أما في الجوهر بالمعنى القضائي للكلمة، فإن ما قدمه السيد نصرالله هو قراءة لبيئة الجريمة، مغايرة لقراءة التحقيق الدولي لبيئة الجريمة كما وردت في تقارير لجنة التحقيق منذ العام 2005 والتي أشارت الى وقائع الخلافات السياسية الحادة بين الرئيس الراحل وخصومه المحليين وسورية، الذين كان «حزب الله» في طليعتهم. وهي قراءة استندت الى وقائع وأقوال زعامات سياسية. وعلى التحقيق الدولي تثبيت هذه القراءة بالأدلة عن وقوع الجريمة، لأن بيئة الجريمة شيء ووقوعها شيء آخر. والتحدي نفسه يطاول قراءة نصرالله لبيئة الجريمة كما قدمها. والمنطق يقول ان للجريمة بيئة واحدة وليس بيئات عدة. أما في الجوهر السياسي فقد تكون استجابة بلمار السريعة لما طرحه نصرالله، دليلاً الى ارتياحه الى الوقائع التي بين يديه وإلى انه سبق له أن دقق في وجهة اتهام إسرائيل ووصل الى نتائج في هذا الصدد. وبالتالي هو قام بما عليه لجهة استنفاد كل الفرضيات، قبل إذاعة قراره الظني. وقد تكون استجابة المدعي الدولي مخرجاً من مخارج تأخير صدور القرار الظني كي يأخذ بلمار وقته «في التدقيق» بمعطيات السيد نصرالله وهو التأخير الذي أشيع بعد القمة السعودية - السورية، أنها ستسعى إليه ريثما يتم ترتيب معالجات تداعيات صدور القرار الظني...