حل علينا الشهر الكريم، ضيفاً نشتاق إليه من العام للعام، وننتظره للرحمة التي فيه، وللمغفرة التي نتمناها، وللعتق من النار التي نحلم أن نكون من عتقائها في هذا الشهر الكريم. والذي أتمناه من كل قلبي أن يبدأ الناس بمعايدة بعضهم شخصياً، وليس عن طريق رسائل الجوال، ولا بالبريد الكتروني الذي أصبح هو ورسائل الجوال الصامتة أسلوب المباركة المتعارف عليها حالياً درءاً للعتاب. والشيء الآخر الذي أتمناه أيضاً أن تبدأ كل ربة منزل في تحضير قائمة بالحاجات المعروفة التي أصبحت لصيقة برمضان، مثل الفول والشوربة والسمبوسك وقمر الدين وشراب التوت، حتى لا نرى ما نراه كل عام من هجوم مباغت ومنظم ومتعمد على محال للسوبر ماركت والبقالة والحَلَقَة وغيرها، الأمر الذي يوحي بقرب حدوث مجاعة. ماذا لو غيرنا النظام لهذا العام واشترينا المطلوب قبل بدء الشهر الكريم؟ ماذا لو وفرنا الوقت المستقطع لنزول الأسواق ولشراء ملابس العيد للأولاد والذي يبدأ في الأغلب في منتصف الشهر وحتى آخره (بالاكتفاء بشراء قطعة واحدة لأول يوم فقط) وتوفير المال المتبقي لبعد العيد، نظراً للتخفيضات التي تحدث في العادة في شهر شوال. ماذا لو اكتفينا بالأطعمة المعروفة وبكميات معقولة تكفينا وتزيد قليلاً؟ فلربما مر ضيفٌ. ماذا لو فهمنا المعنى الحقيقي للكرم بأنه ليس ملء المائدة بصورة مبالغ فيها، إنما بحسب عدد الأفراد والكمية المتوقعة لإشباع كل فرد؟ ماذا لو قمنا بعمل مختلف هذه السنة بأن نقوم بزيارات خفيفة وسريعة لدور الأيتام ومرضى مستشفيات الصحة النفسية ومرضى الكلى والسرطان ودور العجزة وكبار السن؟ فهي أماكن جافة من المشاعر صيفاً وشتاء، وفي كل وقت تحتاج للمسة حب وعطف ومودة. ماذا لو بدأنا في إغلاق حساباتنا القديمة بالاعتذار لأناس أخطأنا في حقهم أو قصرنا معهم؟ ماذا لو رددنا لكل صاحب حق حقه مع رسالة اعتذار واضحة. ماذا لو بحثنا عن الأرملة والمطلقة واليتيمة ومشينا في حل مشكلاتهن؟ وإذا لم نتمكن بالفعل من مساعدتهن وحل كل مشكلاتهن فشرف المحاولة يكفي. رمضان لم يكن يوماً شهر الراحة والخمول والموائد العامرة التي يلقى نصفها في القمامة البنفسجية. ولم يكن يوماً مبرراً للإهمال في العمل ولا العصبية ولا الصدور الضيقة بحجة الصيام والجوع وغيره. كل عام والجميع بخير. أعاده الله على الأمة العربية والإسلامية أعواماً عدة. ويا رب لا نسمع عن حالات طلاق بسبب عدم جودة الشوربة ولا السمبوسك، وعدم وجود السوبيا على المائدة، يا رب ترفرف السعادة والرضا على كل منزل في كل أنحاء الأرض، بفضل بركة هذا الشهر المبارك. كل عام والجميع بألف خير... وأهلاً رمضان. [email protected]