تسعى روسيا إلى حل جملة من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في شبه جزيرة القرم، ولا تبدو المهمة سهلة مقارنة بضم شبه الجزيرة سياسياً وقانونياً، بعد تنظيم استفتاء صوتت فيه الغالبية لمصلحة الانضمام إلى روسيا. وتعمل موسكو جاهدة على دمج اقتصاد القرم بالاقتصاد الروسي، وإيجاد مصادر دخل تضمن رفع مستوى سكان المنطقة من دون مدفوعات كبيرة ترهق الموازنة الروسية وتؤثر في مستوى النمو المتواضع، بسبب عوامل في بنية الاقتصاد الروسي الذي قد يتعرض لضربات كبيرة في حال تصاعد العقوبات الغربية، أو تراجع أسعار النفط والغاز والخامات في السوق العالمية. وأعلنت الحكومة الروسية نيتها إطلاق برنامج شامل في تموز (يوليو) المقبل لتنمية القرم، وكشفت عناوين رئيسية للخطة بدأتها بتشكيل وزارة خاصة تعنى بشؤون القرم وسيفاستوبول، وتتضمن إقامة منطقة اقتصادية خاصة، وتسهيل جذب الاستثمارات عبر تسهيل الأنظمة الضريبية، وكبح البيروقراطية والفساد. ونظراً إلى الموقع الجغرافي وعدم تواصل أراضي شبه جزيرة القرم مع روسيا، فإن مهمة إنشاء جسر بري وآخر للسكك الحديد يُعد من أهم الأولويات، وتسارع موسكو خطاها من أجل بناء الجسر عبر مضيق كيرتش مع نهاية هذه السنة، كما وضعت خططاً لتطوير المطارات وتوسيعها في شبه الجزيرة، وإطلاق رحلات جوية بأسعار رخيصة من أجل تسهيل حركة السياح والسكان. وتتوقع دراسات أن يكلف انضمام القرم وسيفاستوبول الخزينة الروسية حوالى ثلاثة بلايين دولار، يمكن تغطية نصفها من مدفوعات روسيا لقاء استئجار القاعدة البحرية لأسطول البحر الأسود، والحسومات على سعر الغاز. وللمحافظة على الشعور العام الداعم لروسيا في شبه الجزيرة، على موسكو دفع رواتب تقاعدية ل 600 ألف عسكري ومدني متقاعد، إضافة إلى دعم مئة ألف طالب وذوي الحاجات الخاصة، وتحسين الصحة والتعليم. وقال الخبير المختص بشؤون اقتصاد روسيا، سامر إلياس: «إن القرم منطقة غنية وتملك إمكانات واعدة للتطور»، وأوضح أن «هناك عقبات كبيرة يجب تجاوزها أولاً مثل تأمين المياه والكهرباء والغاز، وكذلك تحسين البنية التحتية في المنطقة» ولفت إلى «أن كلفة المعاشات التقاعدية، والضمان الاجتماعي والصحي ربما تكون صغيرة مقارنة بحجم الاقتصاد الروسي، لكنها قد تصبح مشكلة في حال تراجع فائض الموازنة الروسية نتيجة أية تغيرات في سوق الطاقة العالمية، أو تسارع وتيرة العقوبات الغربية على موسكو». ووفق مدير اقتصاد الأقاليم والبلديات في مؤسسة «ستاندرد أند بورز» بوريس كوبيكين، فإن مبلغ ثلاثة بلايين دولار يُعتبر ضخماً جداً بالنسبة لموازنة القرم، التي بلغت في السنوات الماضية، ما بين أربعة بلايين وخمسة بلايين غريفن (500 - 700 مليون دولار)، وقال: «هذا المبلغ يعادل موازنة إقليم كبير في روسيا، وهو قادر على تغطية 15 في المئة من عجز موازنات كل المناطق الروسية لعام 2013». ويُعتبر قطاع النفط والغاز من بين الأبرز في القرم، ووفقاً لوزير الموارد الطبيعية والبيئة الروسي سيرغي دونسكوي، فإن احتياط النفط في شبه جزيرة القرم يصل إلى 47 مليون طن، واحتياط الغاز 165,3 بليون متر مكعب. والمؤكد أن هذه الموارد، ستغطي حاجات شبه الجزيرة بالكامل، وسيصب الفائض الضخم في الموازنة الاتحادية الروسية، ما يجعل نفقات الحكومة الاتحادية لدعم الاقتصاد والبنى التحتية في شبه الجزيرة وإنعاشه، أمراً مستحقاً ومفيداً. ومن القطاعات المهمة الأخرى، السياحة. ففي عام 2013، بلغت الإيرادات الضريبية الرسمية من الشركات العاملة في هذا المجال في القرم، 2.3 بليون روبل، ما يعد أكثر بمرتين منها عام 2009. ووفقاً لخبراء السياحة، فإن أكثر من ستة ملايين سائح يزورون القرم سنوياً، يؤمنون دخلاً مقداره مئتا بليون روبل إلى هذه المنطقة. وعلى رغم تأكيد إلياس امتلاك القرم إمكانات كبيرة في مجال السياحة، فإنه يتوقع «تراجع عدد السياح الروس هذه السنة»، ويعزو ذلك إلى أن «معظم السياح الروس يمرون عبر الأراضي الأوكرانية، وهؤلاء سيبدون خشية من التحرك بسياراتهم، أو حتى المواصلات العامة في أوكرانيا نتيجة الأزمة المتصاعدة بين البلدين، كما أن طاقة المطارات في القرم لا تستوعب أعداداً كبيرة لتعوض النقص». وبعيداً من حسابات السياسة وضم القرم إلى روسيا، فإن مستقبل شبه الجزيرة اقتصادياً سيصبح معتمداً على اقتصاد موسكو وتطور الصراع مع الغرب، وفي الوقت ذاته سيخصص الكرملين مبالغ كبيرة لضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في القرم حتى لا يشعر سكانها بالندم على خيارهم العودة إلى أحضان روسيا.