يظهر أن ما يسمى بالعنف الأسري، وأنا أسميه «إجرام أسري» مسلسلاً تركياً لا تنتهي حلقاته المفتوحة على رؤوس وجثث الضحايا من نساء وأطفال وقاصرات، وكل هذا بيد بعض الرجال الذين تفاقم إجرامهم في حق النساء المغلوبات على أمرهن، لم ننس بعد قصة المرأة التي دهسها زوجها بسيارته حتى الموت على مرأى من الناس الذين لم يحركوا ساكناً، حتى تفاجئنا الصحف بقصة «ليلى»، تلك المرأة اليمنية التي تزوجت من سعودي قبل عشر سنوات وأنجب منها طفلين، ثم تركها معلقة قبل سبع سنوات، فلم يثبتها في أوراقه الرسمية، ولم يلحق طفليه في بطاقة أحواله، ولذا لم يتمكنا من دخول المدرسة، ومنذ سبع سنوات وهي تعيش وطفليها على صداقات المحسنين في محافظة خميس مشيط، ولما لجأت إلى الإعلام وتحديداً جريدة «عكاظ» التي نشرت قصتها بتاريخ 27-3-1430ه مارس عليها أهل الزوج ضغوطاً ومضايقات بسبب إثارتها لقضيتها إعلامياً، وظهر الزوج المحترم الذي كان هارباً من أعباء الزوجية، لا ليصحح خطأه، بل ليرتكب جريمة في الشارع بركلها وضربها على مرأى الناس ومسمعهم، حتى نُقلت إلى مستشفى خميس مشيط العام لتلقي العلاج. حدث هذا في الوقت الذي تشرع فيه إمارة منطقة عسير لمخاطبة الجهات الرسمية لتصحيح أوضاعها وطفليها، إضافة إلى جمعية حقوق الإنسان التي تقوم بمتابعة قضيتها. انتهى سرد هذه القصة كما نقلتها «عكاظ» الأسبوع الماضي بتاريخ 16-5-1430ه. ومن هنا يجوز لي أن أتساءل أولاً: كيف تمكن هذا الرجل من تهريب هذه الزوجة من دون أوراق ثبوتية؟ وهذه مخالفة قانونية توجب العقاب عليه لتخطيه الأنظمة الخاصة بالوطن وخرقها. ثم تهربه من المسؤولية بتركها وطفليها من دون تمكين من حقوقهم المدنية، وأبسطها إلحاقهم ببطاقة أحواله الشخصية، وهذا أيضاً مخالفة صريحة للقانون! ناهيك عن تخليه عن النفقة والتربية والرعاية، وكل هذه مخالفات جنائية كبيرة يرتكبها شخص واحد، كأنه هو القانون وهو النظام، والكارثة أن هذه السنوات السبع التي مرت بعد تعليقه لزوجته وتركه لأطفاله، كيف جعلته يعيش حياة عادية كأنه لم يرتكب إثماً ولم يقترف ذنباً! وإن لم تكن هذه الأفعال ذنوباً فما هو الذنب إذاً؟ ها هو ظهر الآن بعد فضحه إعلامياً ليتمادى ويرتكب جريمة أخرى أمام أعين الناس، التي هي الأخرى أصبحت لا ترى ولا تسمع، فأين الذين ينكرون المنكر؟ وأقصد بذلك الناس الذين تجدهم ينكرون في القضايا الهامشية، ويسكتون في القضايا الكبرى التي أمر الله بإنكارها دينياً وإنسانياً، وكأننا نعيش في غابة بشرية يأكل قويها ضعيفها. إن هشاشة الأنظمة الحقوقية لدينا والتهاون والتراخي في مسائل الأسرة، جعل البعض يقوى ويفعل ما يريد لا فرق في أن يعضل فتاة، أو يزوج قاصراً، أو يعذب طفلة، أو يقتل امرأة قي الشارع العام، طالما أنه في معزل عن العقاب إلا فيما ندر، في ظل عبث قانوني لا يحمي هذه الفئات. ومن منطلق الإسلام الذي هو شريعتنا وقانوننا، وترتكب باسمه الكثير من الجرائم، هل يكفي أن يكون المسلم ملزماً بتأدية الحقوق لمجرد عقيدته، من دون أن يكون هنالك عقاب صارم يلزمه بتحمل مسؤولياته ويحمي الآخرين من بطشه؟ أين هذا الرجل وأين أسرته التي خرجت لتضايق وتقهر هذه المرأة، وكان من المفترض أن تقوم بتقويم سلوك ابنها لمساعدته على تحقيق العدالة التي شرعها الله. نحن بحاجة ماسة إلى قانون ملزم للأحوال الشخصية من القضاء، لحماية الأسرة وأمنها. [email protected]