كتبت الأسبوع الماضي مقالة بعنوان: «مقاربة مقاصدية معاصرة لظاهرة الجماهير» وتناولت فيها في شكل موجز واقع الجمهور في تراثنا الديني، وطبيعته في الواقع الاجتماعي، وتأثيراته على مواقع التواصل الشبكي، ولأهمية الموضوع، سأكمل تناوله من زاوية معينة، متعلقة بالجماهير الافتراضية ودورها في صوغ طبيعة المجتمعات الآتية، ومع أن مصطلح «الجماهير الافتراضية» بدأ ينتشر ويفرض حقيقته في شكل واقعي، إلا أن الدراسات النفسية والاجتماعية حوله لا تزال بكراً، لجهة التناول المنهجي للظاهرة، لكن هناك جهوداً معرفية حاولت تقديم دراسات وتحليلات لهذه الظاهرة جاءت من خلال البُعد الاقتصادي الذي ساهم في صناعة حقيقة هذه الظاهرة وبالتالي دراستها كواقع مرتقب، وكانت البدايات في أوائل السبعينات من القرن الماضي، ومن خلال علماء وساسة يابانيين قدموا رؤيتهم للاحتياج المقبل الذي سيتركز فيه العمل على إنتاج الحواسيب المرنة، وسموا هذا الأنموذج المقبل «جوهو شاكاي» وترجمته تعني «مجتمع المعلومات»، وتوالت الدراسات المابعد صناعية والمبشرة بعصر التقنية وثوراتها المعلوماتية، وكان هذا التقدم المتسارع يؤكد وجود تحول مجتمعي وأيديولوجي كبير سيتزامن مع هذا النمو، أشبه بما مر على المجتمعات الإنسانية عندما تحولت من مجتمعات زراعية إلى صناعية، وما رافق ذلك من تغيرات هائلة على الحياة والإنسان. (أنظر: كتاب «المجتمع الشبكي» لمؤلفه دارن بارني، ترجمة أنور الجمعاوي، نشر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى 2015، الدوحة، ص 11-14). هذه الحالة الجديدة من التجمهر الشعبوي في مواقع افتراضية من خلال شبكة الانترنت، ينظر إليها في الغالب من زاويتين، الأولى تنظر إليها كمنتج تقني رائع ساهم في خلق مساحات شاسعة وبلا حدود للتواصل بين البشر، كما أنها قربت المعرفة ويسّرت سبل الوصول إلى المعلومة، وخلقت أجواءً من الإبداع والاستمتاع لدرجة الإدمان أحياناً بين الناس. الزاوية الأخرى هي التي تنظر إلى هذا المجتمع الافتراضي بسلبية، ويغلب عليها الحذر وافتراض المخاوف، وهذه النظرة في الحقيقة ليست سلبية بمعنى الذم والانتقاص؛ بل لأنها واقع جلب معه تغيرات مذهلة أشعرت شهود هذه اللحظة بالخوف والخطر وانسحاب البساط فجأةً من تحت أرجلهم، وبما أن الحالتين موجودتان، وأقصد المنافع والمضار من ذلك التشكل الجماهيري الشبكي، فسأقصر الحديث عن التوقعات التي تجملها تلك الجماهير الافتراضية على مستقبلنا، لأسباب كثيرة، منها: أن سكرة التعاطي مع هذه البرامج والمواقع تجعل هناك غفلة عن خلق التوازنات مع جوانب الحياة الأخرى (معتقدات، أعراف، قيم) والتي في فقدها خطر الانحراف على الإنسان، كما أن التعاطي الأمني مع تغوّل التواصل الشبكي جعل هناك رؤية واحدة تهيمن عليه عند مناقشة هذه المواقع ومعطياتها من زاوية الخطر المهدّد للأمن والسلطة والمجتمع، وبالتالي لن تكون هناك معالجات شمولية ما دامت النظرة السلبية تمتلكها جهة واحدة، كما أن تحديات المستقبل لمنطقتنا تجعل من المهم النظر المسبق لهذا التحدي الصامت الناعم الذي قد يجعل التحديات السياسية والاقتصادية اليوم؛ هامشية بالنسبة إلى حشد التحديات التي يحملها ذلك المستقبل، ولعلي أوجز هذه التوقعات التي تحملها لنا الجماهير الافتراضية، بعيداً من الأحكام الجاهزة، ضدها أو معها، وفق للرؤى التالية: أولا: تشير الإحصاءات التي أظهرتها مجلة «محرك البحث» من خلال بيانات النمو بين عامي 2010 و2015، أن عدد مستخدمي موقع (لينكدإن) يصل إلى 97 مليوناً، وموقع (سنابشات) إلى حوالى 200 مليون، في حين يقترب عدد مستخدمي (تمبلر) من 230 مليوناً. أما موقع (تويتر) فيصل عدد مستخدميه إلى 316 مليوناً، بينما يصل عدد مستخدمي (غوغل بلس) إلى 343 مليوناً، ويتفوق عليه موقع (إنستاغرام) الذي يصل عدد مستخدميه إلى 400 مليون، أما المواقع الأكثر استخداماً فهما موقع (يوتيوب) ويقدر عدد مستخدميه بأكثر من بليون مستخدم، في حين يتجاوز عدد مستخدمي موقع (فايسبوك) 1.5 بليون مستخدم. ووفق المجلة، فإن عدد الحسابات النشطة على وسائل التواصل الاجتماعي تصل إلى 1.7 بليون حساب، من أصل 2.1 بليون حساب، في حين أن عدد المستخدمين للإنترنت يصل إلى 3 بلايين مستخدم، أي ما يعادل 45 في المئة من إجمالي عدد سكان الأرض. ووفق الفئات العمرية لمستخدمي التواصل الاجتماعي، فإن 89 في المئة من المستخدمين هم في الفئة العمرية 18-29 عاماً. (انظر: http://www.skynewsarabia.com/web/article/815451/) هذه الدراسة نشرت في شباط ( فبراير) 2016 ، وتدل على إقبال واسع لسنا في حاجة إلى إثبات له، لأنه رأي العين وحديث الناس، كما نلحظ تعاطي أغلب الشباب الشبكات التواصلية، وهذا الجمهور الشاب ربما وجد حاجته النفسية والاجتماعية في مثل هذه المواقع، فهي تمتاز بسرعة الاستجابة لكل ما يتمناه الفرد، وسرعة التأثير في محيط أقرانه ومتابعيه، وسرعة النشر لكل ما يود الحديث أو التعبير عنه، وسرعة التعليق ثم رصد الاستجابة لتلهفه برجع الأصداء وزيادة متابعيه، كما أنها تسهم في سرعة الظهور والشهرة متخطيةً عتاة الفن والرياضة. هذه المعطيات كلها لا يمكن أن تتوافر في الواقع الحقيقي مثل ما تظهر بوضوح وتتجسد في المجتمع الشبكي، وهذه الصفات هي أغلب ما يثير الفرد، خصوصاً الشاب للإدمان عليها من دون انفكاك، وحتماً أصبحت هناك علاقة طردية بين صفات الشباب الفطرية وطبيعة المواقع الشبكية، بما يجعل الانسجام فارطاً في العشق المتبادل. ثانياً: ماذا يعني هذا الإقبال الحاضر من غالبية سكان الأرض على الشبكية الاجتماعية بالنسبة إلى مستقبل الجماهير الافتراضية؟ هذا التساؤل المستقبلي يجعل هناك عدداً من الفرضيات وبعضها أصبح من الوقائع المشاهدة، قد تكون جواباً عن هذا السؤال، أهمها أن القيادة المجتمعية سوف تدار من غرف الدردشة ومواقع التواصل الاجتماعي شئنا أم أبينا، ويمكن أن تتحكم فئة ناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي في تحديد رأي عام وتهيئة المجتمع لقبوله، فلا يشترط أن يكون الخطاب عقلانياً ومقنعاً، فيكفي الانتشار السريع و قبول الأعداد الكبيرة والحشود الافتراضية في صناعة القبول بالفكرة أو ردها مهما كانت غرابتها منطقياً، فلون قميص لمشهور أو خبر زواج لثري أو اعتداء على امرأة يشعل المجتمع كله بملايين الرسائل خلال ساعات قليلة، كما أن الشبكة العالمية تنمي الموثوقية بهذه المنابر، وإن كانت في غاية البساطة، والسبب أنها كسرت الاحتكار الرسمي على المنابر، وصنعت منابر تمارس التحدي العلني للتلفزيون والصحف الرسمية من حيث السرعة والتعاطي مع الأحداث وكشف المستور منها، وهذا يجعل خيار المؤسسات الرسمية عند الإنكار ومغالطة الواقع؛ إما العناد والاستمرار في خلق الروايات المسيّسة وفق رؤيتها الرسمية؛ وبالتالي نهاية جمهورها وفقدان مصداقيتها، وإما الرضوخ لهذه المنابر والمواقع الافتراضية وبالتالي لا ندري كيف ستسير الحقائق بعد ذلك في هذه الممرات المعتمة والغرف المظلمة أحياناً. إن حجم التعاطي اللامحدود مع شبكة المعلومات وتقنياتها التواصلية وفق ما تمليه حاجة كل فرد وفق رغباته الطبيعية أو الشاذة، سيحدث تراكماً هائلاً للمعلومات وصعوبة حجب شيء منها، مع تنامي القدرة للوصول إلى أي ممنوع، وفي ظل أيديولوجيات تتشكل مع قوة المجتمع الشبكي، تصبح المعلومة ذات القدر العالي من الأهمية في يد من لا يقدر أهميتها، وربما يوظّفها في مساقات كارثية أحياناً. يقول العالم الأميركي كارل ساغان المتوفي في 1996: «نحن نعيش في مجتمعٍ يعتمد تماماً في حياته على العلم والتقنية، إلا أنَّه تمكن بطريقةٍ مدهشة من إخراج الأمر، بحيث أنَّ أحداً من أفراده لا يفهم شيئاً عن العلم أو التقنية، هذه وصفة واضحةٌ لكارثة»(انظر: كتاب «كوكب الأرض» لمؤلفه كارل ساغان، ترجمة شهرت العالم، نشر عالم المعرفة 2000) ثالثاً: هوية الجماهير التقليدية في الغالب تكون مؤطّرة في دوائر معروفة، وتبقى في الحالات العادية متماسكة ولعهود طويلة، كالحال في الهويات الدينية والعرقية والمذهبية والوطنية وغيرها، هذه الهويات التي تمثل ذات الإنسان قد تكون مستقلة عن غيرها أو متداخلة في تكامل لا تتعارض في ما بينها، كأن يكون الإنسان مسلماً وعربياً وسعودياً أو مصرياً وغير ذلك، ولكن هل هذه هي حال الجماهير الافتراضية في ساحات مواقع التواصل الاجتماعي على سبيل المثال؟ أعتقد أن طرح مفهوم الهوية في هذا السياق له دلالته المهمة في معرفة تداخل الهويات وتناقضها أحياناً، لذوات تتستر خلف ألقاب مجهولة، وشخوص مخفية لا تُعرف، وأمام نزعة النرجسية التي بدأت تغزو هؤلاء الجماهير، وأمام شغف التعبير عن الذات حول كل شيء، يعلق عالم الاجتماع الأميركي مانويل كاستلز على هذه الصورة الهوياتية للجماهير بقوله: «إننا نبتدع ذواتنا على نحو متواصل، فهويتك على الحاسوب هي محصلة حضورك المشتت، ذلك أن هويتك شديدة السيولة والتعدد إلى الدرجة التي تجعل مفهوم الهوية ذا حدود فضفاضة» (أنظر: الاقتباس من كتاب المجتمع الشبكي، ص 163)، إنها ليست الهوية فقط التي أصبحت أكثر سيولة مع مواقع التواصل الاجتماعي؛ بل الكثير من المفاهيم والقيم الصلبة أضحت في مهب ذلك التيار الهادر من السيولة الذي أنتجته الشبكية العالمية، فكما أن الإنسان يستطيع أن يتقمص عدداً من الهويات وفق ما يختار من نوع، لأن طبيعة التخفي خلف المعرّفات تشجع لهذا التقمص الفريد من تعدد القبعات، قد تجعلنا أمام تشكلات غريبة مثيرة للقلق في المستقبل، وفي المقابل أيضاً يمكن أن تدمج تلك الهويات في هوية واحدة يتنادى لها جمهور المواقع انتصاراً لقضية أو تفاعلاً مع مظلومية معينة، وكثيراً ما تظهر هذه الهوية الجامعة في مطالب العدالة الاجتماعية ورصد الانتهاكات الحقوقية، ومن أبرز أمثلتها حركات مناهضة العولمة وتوافق أنصارها في العالم على التظاهر والشجب بعد كل اجتماع للدول الصناعية الكبرى، وفي تظاهرات الربيع العربي مثال آخر لاندماج تلك الهويات نحو المطالب والشعارات التي رفعتها، كما أن الحوارات الشبكية لعبت دوراً مهماً في زيادة الوعي الجماهيري حول قضاياه اليومية و زادت من تفاعله في المشاركات الديموقراطية؛ بل أسهم في بلدان كثيرة في صناعة قرارات سيادية كبرى، هذا النسق من التبادل الحواري خارج مؤسسات الدولة خلق مجالاً حيوياً عاماً لصناعة إصلاحات ونقد الكثير من الواقع، سبق أن تمناه الفيلسوف الألماني يورغان هابرماس في نظريته المعروفة حول «الفعل التواصلي»، وعلى رغم أن تلك النظرية التي خرجت في أوائل الستينات كانت مثاراً للكثير من النقد، إلا أنها اليوم تتحقق مع مواقع التواصل الاجتماعي بأكثر مما كان يحلم به هابرماس. (انظر: كتاب «هابرمس ومدرسة فرانكفورت»، لمؤلفه حسن المصدق، المركزالثقافي العربي، الطبعة الأولى 2005). رابعاً: يرى بعض الباحثين أننا على أعتاب ثورة صناعية رابعة، أطلق نذيرها البرفسور كلاوس شواب، عندما قال في مؤتمر دافوس الأخير: «إن الإنسانية تقف على حافة ثورة تكنولوجية من شأنها أن تحدث تغييراً جذرياً في الطريقة التي نعيش ونعمل بها، وذلك التغيير سيكون في شكل لصيق ومتواصل، وسيزداد تعقيداً بصورة لم تشهدها البشرية من قبل»، وكان يقصد تلك الثورة التقنية المتقدمة والروبوتات الآلية والأبعاد الثلاثية والعالم الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي. وهي بلا شك ثورة حقيقية في عالم افتراضي، إنها ثورة رقمية تفتح الباب لتوديع أجيال الفخامة والرتابة والتأني الزائد، لتستقبل شباب المجتمع الافتراضي (الواقعي!) القلِق الذي يأكل ويتحدث ويعمل ويستمع لموسيقى الراب الصاخبة لأجل القيام بصفقة أو إجراء عقد بالملايين، ومزاجه الثائر وطبيعته النافرة تدل على هدوء مصطنع، لكن مفاتيح الثورة الرابعة معلقة في رقابه لا تفارقه حتى في لحظات سكونه المتخيل عند النوم! ولنأخذ مثالاً واحداً على هذا النمط المقبل، من خلال أنموذج القوة الجديدة لإمبراطورية (الفايسبوك) التي لم يتجاوز عمرها 12 عاماً، إذ تمكنت من تكوين أكبر جمهورية افتراضية في العالم، بما تملكه من مستخدمين يتجاوزون البليون ونصف البليون، منهم بليون يتصفحون الموقع بما لا يقل عن 20 دقيقة في اليوم، لتصبح سادس شركة لجهة القيمة على سطح الكوكب، إذ تقدر ب325 بليون دولار، علماً أن مؤسس (الفايسبوك) مارك زوكربيرغ لا يزال في أول الثلاثين من عمره! (انظر: صحيفة الإيكونوميست، عدد: 9 نيسان 2016)، هذا الجيل المقبل بثورته الصناعية ذات الأيديولوجيا الناعمة والصارمة في آنٍ واحد، يجعل العالم في حيرة شديدة من متطلباته، فالارتباط العضوي بشبكات التواصل ينتهي في قبضة شركات جديدة في عالم الفضاء التقني، ومع أنها قلبت الطاولة على نمط التجارة والاستثمار وأصبحت المحرك لعجلة الاقتصاد العالمي، إلا أن تأثيراتها على المجال العام هي الأعظم، واليوم تطرح تساؤلات لا تنفك عن تلبّسها بنظرية المؤامرة، حول المستفيد من هذه المعلومات الشخصية لبلايين البشر، وانحصارها في شركات أميركية محددة، وتغلغلها في الحياة الخاصة بدايةً من الفرد وانتهاءً بأنظمة البنوك والأرصاد والملاحة وغيرها!؟. خامساً: وبعد ما سبق ذكره من معطيات واقعية واستشرافات مستقبلية، هل ستكون هذه الجماهير الافتراضية نكبة على مجتمعاتها خصوصاً الإسلامية والعربية؟ ولأجل الجواب عن هذا السؤال نحتاج إلى دراسات علمية وميدانية ترصد هذه الظاهرة في كل مجتمع للتعرف إلى كيفية التعامل معها، وأحسب أن كثيراً من مؤسساتنا الرسمية التي لا يزال بعضها يجهل التعاطي مع البريد الإلكتروني لن يقدم شيئاً سوى المشاهدة من بعيد وترك الأمر لأجهزة الأمن والقضاء، وفي شكل عام أعتبر هذه الظاهرة الجماهيرية إيجابية إذا تمت مراعاة أمور ثلاثة: أولاً: أن تدمج هذه الجماهير الافتراضية مع الواقع الحقيقي بمعتقداته الدينية وقيمه الأخلاقية، والوصل بينهما يخفف إدمان التعاطي مع تلك الشبكيّة السائلة حتى لا تندفع أجيالنا المتشبّكة بها إلى الانفصال التام عن مجتمعها على رغم تراكم أجسادها بيننا. ثانياً: لا يكفي الوعظ والإرشاد في المنع من انحرافات الجمهور الافتراضي؛ بل لا بد من إيجاد مبادرات تحوّل طاقاته نحو المفيد من مشاريع التنمية والإصلاح، وإشراكه حقيقةً في القرار والبناء، وهذا التقارب بينه وبين مؤسسات الدولة والمجتمع لو حصل، يصبح صمام أمان في أي مواجهة تفرضها أزمة ما في لحظة غفلة يقتنصها عدو متربص. ثالثاً: إن من أعظم الأخطار أن تتحول مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحات حرب بين فئات المجتمع الواحد، وتصبح الأحداث، مهما بلغت بساطتها، سبباً لتأجيج الخلاف والاصطفاف، والمشهد اليوم في غالب مجتمعاتنا العربية يدعو إلى القلق ويصيب المتابع بالوجل، لأن هذا التماهي في الخلاف سيفقدنا أي عودة نحو مشترك جامع، ويجعل مجال الوحدة عسيراً، ولو كانت حول مواقف كبرى لا تقبل التعددية في الرأي، ونصبح من حيث لا نشعر جُزراً متنافرة لا يجمعها سوى رباط الجغرافيا المهترئ. وقديماً قال المتنبي: فإنْ تَفُقِ الأنامَ وأنْتَ مِنهُمْ ... فإنّ المسكَ بَعضُ دَمِ الغزالِ!