خيط رفيع لا أكثر هو ذاك الذي يفصل بين محلّية برامج القناة الفضائية وشموليتها العربية. فأن يكون البث فضائياً من بلد عربي ما، يفترض بالضرورة استقطاب مشاهدين من بلدان عربية أخرى، وذلك يفترض أيضاً أن تكون لهؤلاء المشاهدين حصّتهم، أي أن يروا أنفسهم وهمومهم وقضاياهم مشمولة ببرامج تلك الفضائية. ليس غريباً في سياق كهذا أن نلحظ فصاماً بين برامج بعض الفضائيات الغارقة في محليتها، وبين مساحات بثّها التي تصل إلى كلّ القارات والبلدان في العالم. لا نطلب هنا أن تبتعد هذه الفضائيات عن الشأن المحلي وتتجاهله، ولكن المطلوب أن تحقق توازناً نلحظ من خلاله اعتناء بمشاهديها الجدد، أي أن تعترف بحضورهم، وبما لهم من رغبات ومن هموم حياتية أيضاً. هي ملاحظة تشمل كثرة من الفضائيات العربية. ولكنها تبدو أكثر تعلُقاً بالفضائيات الحكومية، التي على رغم انتشارها الواسع في فضاء العالم، لا تزال تنطلق في برامجها من عقلية «أرضية». تخاطب «شعبها» القديم، وتناقش بعض همومه ومشاكله، غير مهتمة – غالباً – بذلك الجمهور الأوسع من المشاهدين الجدد، خصوصاً وأن هناك في إداراتها من يؤمنون أن دورهم ينحصر أو يكاد في تقديم «صورة مشرّفة» عن البلد الذي تنطق المحطة باسمه ويموّلها، أي أن تكون برامجها ذات طابع دعاوي. المسألة ليست شكلية، وهي لا علاقة لها كذلك بوطنية الفضائية أو هويتها، فتلك مسألة لا نراها تتعارض مع ما نقصده من اهتمام جدّي بمشاهديها خارج حدود بلادها. ذلك يعني البرامج، ولكنه يعني أيضاً العلاقة المباشرة مع المشاهدين من خلال تحقيقات ميدانية تتسع لحوارات متنوعة الجمهور، وذات طابع شامل، تمنح أولئك المشاهدين شعوراً برابط حقيقي مع تلك الفضائية، وتدفعهم الى التفاعل معها ومشاركتها بآرائهم ومساهماتهم في مختلف الميادين. نقول ذلك ونحن ممّن يؤمنون أن تعبير العولمة المتداول بغزارة هذه الأيام، لا يجد تحقُقه بصورة أوضح في ميدان ما كما يجده في البث الفضائي التلفزيوني، الذي يجعل الأرض فعلاً قرية صغيرة، نزيد فنقول أنها قرية تلفزيونية واحدة، وتجمع سكاناً من مختلف البلدان والجنسيات، ولهم بالضرورة اهتماماتهم ورغباتهم. وبالتالي بات لا بد من كل مشروع – إعلامي أو حتى غير إعلامي – من أن يتطلع الى تحقيق نجاح ما، وأن يأخذهم في حسبانه، اهتماماً وبرمجة وهموماً أيضاً.