حلم البرازيلي جواو هافيلانج، الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، أن يحوّل عالم هذه اللعبة إلى «إمبراطورية القرن ال20» وكان له ما أراد، وساهم في استضافة بلاده نهائيات كأس العالم عام 2014، وبذل جهوداً لتُنظّم الألعاب الأولمبية الصيفية في ريو دي جانيرو، وخاطب أعضاء الجمعية العمومية للجنة الأولمبية الدولية في جلسة التصويت في كوبنهاغن عام 2009، محرّكاً مشاعرهم بكلامه العاطفي، متمنياً أن يمنحوا هذا الشرف للمرة الأولى إلى مدينة في أميركا الجنوبية، وأن يجعلوا حلمه واقعاً فينام قرير العين وقد قارب المئة سنة من عمره، فتفوقت ريو دي جانيرو على شيكاغو ومدريد وطوكيو. غير أن الأمجاد التي عاشها هافيلانج لم تكن خواتيمها عطرة السمعة، بسبب ملفات فساد طاولته وأفراداً من عائلته، بينهم صهره رئيس الاتحاد البرازيلي السابق ريكاردو تكسييرا. أمس، رحل هافيلانج وألعاب «ريو 2016» في أوجّها، وليُذكر بأنه كان وراء حداثة كرة القدم وتحوّلها صناعةً عالمية، لكن اسمه تلطّخ بالفساد في شيخوخته. وكانت إدارة مستشفى ساماريتانو في جنوب ريو دي جانيرو، أعلنت وفاته أمس، بعدما أُدخل إليها مرات في الفترة الماضية بسبب مشاكل في التنفّس، كما خضع للعلاج من التهاب رئوي. وترأس هافيلانج «فيفا» والاتحاد البرازيلي لكرة القدم بين عامي 1974 و1998، ولعب دوراً أساسياً في تحديث اللعبة وتحويلها صناعةً عالمية مربحة مادياً، ومهّد الطريق لمشاريع جعلت من «فيفا» مؤسسة عملاقة، كان تابع ازدهارها خليفته السويسري جوزف بلاتر، الأمين العام في عهده، الذي اضطر بدوره إلى الاستقالة في مطلع حزيران (يونيو) 2015 بسبب الفساد أيضاً، وأوقف لاحقاً لمدة ست سنوات، وعلّق أمس على رحيل سلفه معتبراً أنه «جعل من كرة القدم لغة عالمية». أرغم هافيلانج، صاحب أطول فترة رئاسة ل «فيفا» (24 سنة) بعد الفرنسي جول ريميه، على الاستقالة من الرئاسة الفخرية في عام 2013، بعدما أوردت تقارير صحافية أنه متورّط في فضائح فساد. كما فتحت اللجنة الأولمبية الدولية في حزيران (يونيو) 2010 تحقيقاً ضده (شغل عضويتها منذ عام 1963) في شأن رشوة تلقاها عام 1997 وسلّط الإعلام البريطاني الضوء عليها، إذ كشفها برنامج «بانوراما» الفضائحي على «بي بي سي». وتركزت المزاعم على تلقيه مبلغ مليون دولار من شركة «أي أس أل» الشريك التسويقي السابق ل «فيفا»، التي أفلست عام 2001. ورفض «فيفا» فتح تحقيق في الموضوع، وأوقف أي إجراء تأديبي أولمبي بحقه بعد أن قدّم استقالته من عضوية اللجنة الدولية عام 2011. قدِم المحامي السابق هافيلانج إلى رئاسة «فيفا» وهو متجذّر رياضياً وتجارياً، كونه أحد الأبطال الأولمبيين في السباحة (دورة برلين 1936) وكرة الماء (دورة هلسنكي عام 1952). ورأس مجلس إدارة إحدى الشركات الكبرى للمقاولات والنقل في ساو باولو منذ 57 عاماً، فضلاً عن توليه رئاسة شركة تأمين لمدة 30 عاماً، كما تخلّى لاحقاً عن حصته في شركة أخرى بقي رئيساً لها مدة 30 عاماً أيضاً. ومن خلال هذه الخبرة التجارية الاقتصادية، أدار هافيلانج «فيفا»، وكان يعرض جردة تطوره بأسلوب خبير المحاسبة الذي يعدّ تقريراً مالياً مدعّماً بالشواهد، كما فعل مرة خلال حديث أجرته معه الزميلة «الوسط» في بيروت عام 1997 ونشرت «الحياة» مقتطفات منه. ذكر هافيلانج يومها أنه يقوم بزيارته الأولى إلى بيروت بعد زيارات عدة في مطلع السبعينات، وفي إحداها عاش صدمة الأحداث والتوتر الأمني (...)، فبعد نصف ساعة من وصوله وزوجته إلى المطار وانتقاله إلى فندق «هوليداي إن»، قُصف المطار. وشدد هافيلانج في المقابلة على ضرورة «أن تبقى كرة القدم موضوع جدل ونقاش، لأن في ذلك حياتها». واعتبر أن التعديلات التي أدخلت على قوانينها «وليدة التطور الذي نعيشه، ولكن بمجرّد إلغاء ركلة الجزاء (البنالتي) والتسلل تنتهي اللعبة. وعلينا ألا ننسى أن المباريات أصبحت أكثر سرعة. منذ 20 عاماً كان الحَكَم يجري خلف الكرة بمعدّل 6 كلم في المباراة، واليوم يركض 15 كلم. فلسفة كرة القدم أن الأسبوع ينقسم إلى قسمين: في الأيام الثلاثة الأولى يكون الحديث عن مجريات المباريات السابقة، وفي الأيام الثلاثة التالية تكون التوقعات والترجيحات عن المباريات المقبلة». كما فاخر هافيلانج بأن «فيفا» هي أضخم مؤسسة ناشطة وقوة عاملة في العالم. وقال: «في أوروبا اليوم 20 مليون عاطل من العمل. وفي العالم 250 مليون شخص يعيشون من كرة القدم، فحجم استثماراتها وعائداتها 250 بليون دولار سنوياً، بينما مداخيل أكبر مؤسسة تجارية في العالم «جنرال موتورز» بحدود 170 بليوناً... ومن خلال ما تقدّم، على رئيس هذه المؤسسة (كان يقصد الرئيس الذي سيُنتخب عام 1998) أن يُحسن متابعة هذا التطور، وإلا فإن اللعبة ستحرقه». وفي حوار مع «الحياة» في حزيران 2011، شنّ هافيلانج هجوماً حاداً على الاتحاد الإنكليزي، مطالباً إياه بتعلّم مبدأ الربح والخسارة واحترام الآخرين، مشدداً على أن خسارة تنظيم نهائيات كأس العالم 2022 (فازت قطر باستضافتها) هي السبب في الاتهامات المتواصلة التي يتعرّض لها «فيفا»، مؤكّداً سلامة الإجراءات التي سار بها التصويت ورافضاً أي اتهامات بالرشوة. وأشار هافيلانج، إلى «أن منصب رئاسة فيفا ليس حكراً على الأوروبيين، وأن في إمكان أي شخصية من آسيا أو أفريقيا قيادة الكرة العالمية عبر بوابة الديموقراطية».