الأرجح أن دموعاً فرِحَة تجمّعت في عيني الجندي البريطاني دايل ماسنجر، وهو مهندس عسكري أقعدته الحرب، عند سماعه الخبر عن تحقّق «معجزة» الرقّاقات الإلكترونيّة: إنها تشفي الشلل عندما تزرع في الحبل الشوكي. لا أقل من كلمة «معجزة» في وصف الإنجاز العلمي الضخم الذي حقّقه الفريق الأميركي الذي قاده البروفسور رودريك بتيغرو، بتمويل من مؤسسة «المعهد الوطني (الأميركي) للصحة»، بشفاء 4 مرضى من الشلل الناجم عن إصابة الحبل الشوكي عبر زرع رقاقات إلكترونيّة في القسم المتبقي من الحبل الشوكي. ومن حضر «المؤتمر الثالث لإصابات الحبل الشوكي» الذي رعاه الأمير خالد بن سلطان في «مدينة سلطان للأعمال الإنسانيّة» قبل أسابيع قليلة، يشعر بشيء من الاعتزاز أيضاً، إضافة إلى مشاركة المقعدين، ومنهم الجندي ماسنجر، بهذا الأمل الذي تفتح كفجر رائع، إذ استُهل المؤتمر بمحاضرة تمهيدية تناولت زرع الرقاقات الإلكترونيّة لتحفّز شبكة أعصاب في القسم الأسفل من الظهر، تُسمى «إبيديورال». في سياق المؤتمر عينه، شدّد اختصاصيّون أميركيون من «مشروع ميامي للشفاء من الشلل» على سقوط النظريّات القديمة عن انقطاع الحبل الشوكي. إذ أوردوا أن القسم السفلي الذي ينقطع عن الاتصال مع الدماغ يبقى فاعلاً، ما اعتُبر تجديداً في النظرة إلى انقطاع الأعصاب التي تحرّك الأطراف وعلاقتها مع الدماغ. وجاء الاختراق العلمي المذهل بشفاء 4 مقعدين عبر زرع رقاقات في الجزء من الحبل الشوكي المتبقي في أسفل الظهر، برهاناً على صحة النظرة العلمية الجديدة لشلل الأعصاب، وهي التي نقلها اختصاصيو «مشروع ميامي» إلى زملائهم في «مدينة سلطان الإنسانيّة». وتذكيراً، تحتل تلك المدينة المرتبة العاشرة عالميّاً في رعاية المصابين بالشلل الناجم عن إصابة الحبل الشوكي. وفي منحى التفاؤل عينه، يجدر تذكّر أن «مشروع ميامي» وقّع اتفاقيّة لنقل التكنولوجيا وتوطينها في السعودية مع «مدينة سلطان الإنسانيّة»، رعاها الأمير خالد بن سلطان في سياق ذلك المؤتمر أيضاً. (انظر «الحياة» بطبعتيها السعودية والدولية في 4 و5 و6 و11 آذار- مارس 2014). هل تكون السعودية أولى عربيّاً في نقل تقنيّة زرع الرقاقات الإلكترونيّة علاجاً للشلل بفضل تلك الاتفاقيّة لنقل المعرفة وتوطينها؟ ومن حضر ذلك المؤتمر، ربما يصعب عليه نسيان الجندي البريطاني ماسنجر سائراً بهيكل حديد تديره رقاقات إلكترونيّة. وفي سياق المؤتمر، تحدّث دايل إلى الأمير خالد بن سلطان عن إصابته، وعن الهيكل الروبوتي الذي يعينه على النهوض، لكنه لا يشفيه من الشلل ولا يغنيه عن العكازتين. وبتوثّب متفائل، أوضح دايل أنه يراهن على العلم، لأنه عايش التطوّر في التعامل مع إصابات الحبل الشوكي من الكرسي المدولب إلى الهيكل المؤتمت. في «المؤتمر الدولي الثالث لإصابات الحبل الشوكي» دار نقاش كبير عن خلايا المنشأ (الجذعيّة) ودورها في شفاء الشلل. والمثير للاهتمام والتقدير، أن اختصاصيي «مشروع ميامي» شدّدوا على عدم التسرّع في الجري وراء أوهام رائجة عن خلايا المنشأ وقدراتها في شفاء الشلل. وبنظرة استرجاعية، تبدو كلماتهم وكأنها «نبوءة» صغيرة، بل توقُّعٌ علمي كبير. وعلى عكس ما هو رائج كثيراً في العالم العربي، قال البروفسور جايمس غاست، وهو أستاذ في جراحة الأعصاب في كليّة «ميلر» الأميركية، إن استعمال الرقاقات الإلكترونيّة في مساندة عمل الأعصاب أفق مستقبلي في علاج الشلل. وربما كان متحفّظاً قليلاً بهذا الشأن، لكنّه رفع الصوت عالياً بقوة ضد أوهام خلايا المنشأ، بل خصّص محاضرة كاملة لها... الأكثر أهميّة هو انخراط غاست و «مشروع ميامي» في نقل التقنيات الأكثر تقدّماً إلى السعودية، ومنها زرع الرقاقات الإلكترونية. هل تصبح السعودية مهداً لانبلاج فجر عربي بشفاء الشلل بالإلكترونات؟