على شاشة إحدى الفضائيات المعروفة في أحد البرامج الحوارية يطل ديبلوماسي غربي ويفاخر بمستوى الديموقراطية في بلاده وما وصلت إليه حرية الرأي ويقول ان أي مواطن في بلاده يستطيع أن يبدي استياءه من سياسة الحكومة وينتقدها على الملأ. فيرد مسؤول من منطقتنا بأن المواطنين في بلادنا يتمتعون بمزايا حرية الرأي والتعبير نفسها فأي مواطن من ربوع بلادنا يستطيع ان ينتقد سياسة حكومة بلادك بل ويشتمها إذا لزم الأمر. هذه الطرفة تعكس الواقع التعيس لحرية الرأي في المنطقة ولا أحد يستطيع ان ينكر هذا الواقع الذي يرجع الى أسباب عدة قد يكون منها طبيعة النظام السياسي والاجتماعي وحتى ضعف البنية القانونية وتخلف أنظمة القضاء. وعلى رغم ذلك فان حرية الرأي في المنطقة تشهد نمواً ملحوظاً بفعل الجهود المبذولة من بعض الزعماء أحياناً ومؤسسات المجتمع المدني ودخول الفضائيات على الخط. لكن حتى الذين يطرحون أنفسهم كمنابر حرة يسلكون نهجاً متشدداً في تعاطيهم مع بعض المسائل فيما يبدو تناقضاً مع أجواء الشفافية والحرية والانفتاح الذي يروجون له. وهذا ظهر جلياً في الاستقالات الجماعية لخمس مذيعات في محطة «الجزيرة» القطرية على خلفية انتقادات وجهت إلى المذيعات حول اللباس والاحتشام، فيما المعروف ان مذيعات القناة يأتين في صدارة قائمة المذيعات الأكثر احتشاماً في المشهد الإعلامي الفضائي. لكن المدهش ان لجنة التحقيق الداخلية في القناة خلصت إلى أن الشكل والمظهر العام لمقدمي البرامج من حق القناة قانوناً. في هذه القصة لم تتدخل حكومات الغرب لتمارس ضغوطها. والمعلوم ان حكومات الغرب، وخصوصاً الولاياتالمتحدة تمارس ضغوطها على دول المنطقة من أجل حرية الرأي وقد تقوم القيامة وتتوتر العلاقات أحياناً على خلفية اتخاذ إحدى الحكومات إجراءات ضد أحد الكتّاب أو الناشطين، حتى يخيل للمرء أن الولاياتالمتحدة حارسة قيم الحرية والعدالة في العالم أجمع من دون الانتباه إلى المآرب الأخرى كالنيل من بعض الحكومات والتشهير بها. لكن كما يقال «الجمل لا يرى حردبته». فحتى الولاياتالمتحدة تسلك سلوكاً متشدداً في التعاطي مع مسائل معينة بل وتصبح أميركا أستاذة في الاضطهاد وحتى إرهاب أصحاب الرأي والصحافيين فيما لو كان الموضوع انتقاد إسرائيل وسلوكها غير الإنساني أو حتى إبداء إعجاب بزعيم روحي مسلم، والذي لا يصدق ليسأل السيدتين اوكتافيا نصر وهلين توماس.