تشكيل منتخب وطني في بعض البلدان يستغرق مدة تفوق تلك التي تعرفها بغداد أو بيروت، لأن الكرة في تلك البلدان أهم من السياسة، بينما في بلدان أخرى يكون تشكيل منتخب جديد لكرة القدم أهون من تشكيل حكومة لا يقع عليها الإجماع في بلد تشكل السياسة فيها الخبز اليومي، ويذكر التاريخ أن حكام البرازيل العسكريين عندما ولوا المثير للأعصاب الصحافي والمشاكس السياسي جواو صالدانا مدرباً لمنتخب السامبا، يوم تنصيبه أخرج ورقة من جيبه وأعلن قائمة المنتحب من دون أن يستشير أحداً في فترة كان الغليان يعمّ الشارع البرازيلي قبل عشرين شهراً من مونديال المكسيك، وعندما سألوا صالدانا عن السبب في إعلان أسماء اللاعبين يوم توليه إدارة المنتخب قال: «حتى لا يتدخل العسكر في التشكيل، فلكل واحد منهم لاعب يود فرضه علي... فلم أعطهم الفرصة»، ونجح الفريق في العودة بكأس العالم... وهو السيناريو الذي أراده المدرب الجديد مانو منيزيس بعد أن أعلن صراحة تخليه عن 19 لاعباً من منتخب دونغا الخارج من مونديال جنوب أفريقيا بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها... ويدرك منيزيس أن التحدي الذي يواجهه ليس سهلاً، لأن الأمر يتعلق بضرورة أن يفوز رجال السامبا بالمونديال المقبل 2014 الذي ستحتضنه البرازيل، وأي إخفاق يعني أن يرحل إلى اليابان ليلاً ليقوم ب«هاراكيري» ليمحو العار. وأما في فرنسا فإن الوضع يكاد يكون أكثر راديكالية مما شهده البرازيل، فالمدرب الجديد رولان بلان، وتعني كلمة بلان بالفرنسية الأبيض، أن الرجل أرادها بيضاء من اليوم الأول، حين منح صكاً على بياض، حين أعلن صراحة تخليه عن كل اللاعبين الذين شاركوا في المونديال الأخير، ليس عقاباً لهم فحسب على تصرفهم المشين، وعدم إيفائهم بالتزاماتهم «الوطنية» وتعريضهم سمعة الكرة الفرنسية للفضيحة والبهدلة... ولكن الأبيض قائد الأزرق في مونديال 1998 أراد أن يؤسس لمنتخب جديد لا يبنى على أنقاض دومينيك المهزوم، وإنما يسعى ليكون أيقونة جديدة في تاريخ فرنسا الكروي مثل إيمي جاكي الذي فهم قدره، حين أحرز الكأس وجلس بعيداً ينظر إلى الهواة وهم يتلاعبون بمنتخب يضم نجوماً تشتعل نهاراً وتنطفئ ليلاً.. إن الراديكالية التي ميزت بعض المنتخبات بعد المونديال الأخير، وتقديم كشف الحساب، أسقط مدربين وأبقى على آخرين مع وقف التنفيذ، وجدد لآخرين لأن أداءهم كان مقبولاً. ولعل الضربة القاصمة هي التي نالت من مارادونا الذي اعتقد أن الاستقبال الجماهيري الذي وجده في بيونس آيرس تقديراً للأداء الرائع لرفاق ميسي، سيكون وحده كافياً لتجديد الثقة له، وليس لكونه يحظى بثقة الرئيسة كريستينا وحكومتها. فرئيس الاتحاد الأرجنتيني فضل السباحة ضد التيار، وأعلن أن الولد المدلل لن يكمل مشواره مع التانغو، وربما يكون الرجل القوي في الاتحاد خوليو غروندونا، عاش فترة عصيبة مع مارادونا فإن لم يرتفع ضغط دمه، زادت نسبة السكري، وإذا لم يشعر بوجود قرحة، أصبح صداعه مزمناً، والذي يتعامل مع مارادونا لفترة واحدة، لا يختلف عمن حكم الاتحاد عشرين عاماً. وإذا جدد له بالاتفاق مع بيلاردو المدين لمارادونا بكأس العالم 1986، فيعني أن الرجلين معاً سيضطران إلى الخروج مبكراً من الاتحاد، لأنهما لن يقدرا على مقاومة مزاج مارادونا المتقلب حتى العام 2014، فمارادونا على ما بدا عليه من «هدوء» خلال المونديال، أراد أن يقدم صورة أخرى عن «شخصيته الرسمية»، ليس بالضرورة أن يبقى كذلك، والدليل أنه رفض القرار، واتهم الرجلين بالخداع والكذب، وقد يكسب المعركة الإعلامية، لأن الرأي العام يريد التجديد لمارادونا ولا يريد التمديد لغروندونا.. ومع ذلك فإنها تدور والأيام ستكشف عن المستور. [email protected]