دخل في عالم الغيبوبة. الأطباء لم يعطوا أمالاً كبيرة في عودته من العالم الذي غاص فيه. لكن الأهل لم يتقبلوا الفكرة كلياً، إذ بقي لديهم بعض الأمل. نقلوه إلى أحد البلدان الأوروبية على رجاء أن يستيقظ. مضى شهر، شهران، ثلاثة أشهر، ستة أشهر، سنة، والوضع على حاله. نفدت الأموال المخصصة فأصبحوا غير قادرين على دفع مستحقات المستشفى. استدانوا الأموال اللازمة لمواجهة النفقات في انتظار أن يفتح عينيه، لكن بعد ثلاثة أسابيع فارق الحياة إثر الإصابة بالتهاب رئوي شديد. تحدث الغيبوبة عندما يتعرض الشخص لمرض ما أو حادث خطير يتسبب في حدوث تلف في المخ يؤدي إلى دخول المصاب في حال من فقدان الوعي العميق الذي يظل فيه على قيد الحياة لكنه لا يستطيع أن يتحرك أو يستجيب لمن حوله. صحيح أن الشخص المصاب بالغيبوبة يبقى على قيد الحياة لكن يجب العمل بأقصى سرعة والقيام بالإجراءات الطبية اللازمة لمنع تمدد الخراب الحاصل في المخ لتفادي الأسوأ وتجنب وقوع أضرار قد لا يمكن إصلاحها، وكلما طالت فترة الغيبوبة زادت المشاكل الصحية المترتبة عنها. هناك نوعان رئيسان من الغيبوبة: 1- الغيبوبة العميقة، وتستغرق عادة من أسبوعين إلى أربعة أسابيع، يفيق بعدها الشخص أو قد يدخل في النوع الثاني، أي الغيبوبة النباتية التي يكون فيها المريض مغمض العينين، ولا يقدر على الكلام، ولا التواصل مع محيطه، ولا يمكنه اتباع التعليمات أو الإرشادات التي توجه إليه. 2- الغيبوبة النباتية، وفي هذا النوع يظهر على المريض بعض التحسن، وقد سميت هذه الغيبوبة بالنباتية نسبة إلى النبات، فالشخص يبقى حياً وعيناه مفتوحتان لكنه لا يستجيب لمن حوله. ومن أشهر من أصيب بهذا النوع من الغيبوبة أرييل شارون إثر تعرضه لجلطة دماغية. ما هي أسباب الغيبوبة؟ تنتج الغيبوبة عن أسباب كثيرة، من بينها: - رضوض وكدمات وخبطات الرأس التي تحصل بعد أعمال العنف وحوادث السير والمرور وحوادث السقوط وكسور الجمجمة، فهذه كلها تسبب الأذى للدماغ، إما بزحزحته من مكانه أو بتورمه أو بحدوث نزف في داخله، وفي شكل عام إذا كانت الإصابة طفيفة فإن غالبية المصابين يتعافون منها من دون مشاكل كبيرة. أما رضوض الدماغ الشديدة فقد تسبب الإعاقة والموت، من هنا على كل شخص تعرض لضربة على الرأس أن يتوجه إلى أقرب مركز طبي من أجل الفحص والاطمئنان، مع أخذ العلم أن بعض الإصابات الرضية قد لا يعطي عوارض واضحة إلا بمرور أيام وربما أسابيع. - نقص الأوكسيجين. إن الدماغ لا يتحمّل انقطاع الأوكسيجين عنه لأكثر من ثلاث دقائق، لأنه بعد ذلك تحصل فيه تبعات سلبية، وكلما طالت الفترة كانت الأضرار فادحة. - شرب الكحوليات. إن تعاطي الكحوليات بكمية كبيرة لا يؤثر فقط على التنفس والقلب والجهاز الهضمي بل يضر بالدماغ ويدخل صاحبه في دهاليز الغيبوبة وربما يؤدي إلى الموت. - التهابات الدماغ. إن أي إصابة التهابية في الدماغ، سواء كانت فيروسية أم جرثومية، يمكنها أن تكون سبباً لفقدان الوعي والدخول في جحيم الغيبوبة. - الجلطات والنزوف الدماغية. أي خلل في الدورة الدموية، جراء الجلطات أو النزف في قلب المخ، يمكن أن تترتب عنه حالة طويلة من الغيبوبة. - الأورام الدماغية، فسواء كانت حميدة أو خبيثة، يمكنها أن تضغط على مراكز الدماغ مسببة شل عملها وتعريض المصاب للغيبوبة. - ارتفاع السكر المفاجئ أو هبوطه لدى المصابين بالداء السكري، ويعرف فقدان الوعي الناتج من الاثنين بالغيبوبة السكرية، ومن المهم جداً التعرف إلى نوع الغيبوبة السكرية لأن لكل نوع من مرض السكري علاجاً مختلفاً عن الآخر. ويعود سبب غيبوبة ارتفاع السكر عادة إلى إهمال علاج الداء السكري، خصوصاً النوع الأول المعتمد على هرمون الأنسولين. وفي بعض الحالات قد تكون الغيبوبة الصورة الأولى التي تكشف وجود الإصابة بمرض السكري الذي يكون صامتاً. وهناك بعض العوامل التي يمكن أن تشجع على هذه الغيبوبة، مثل الرشوحات، ومرض الإنفلونزا، والأمراض البكتيرية، مثل التهاب الرئة والقصبات وداء السل أو وجود تقيحات في مكان ما في الجسم، وتناول وجبة عارمة بالسكريات، والمغالاة في استهلاك الدهنيات على حساب النشويات، والضغوط النفسية، وفرط إفراز هرمون الغدة الدرقية. ويختلف العلاج بحسب نوع الغيبوبة السكرية. - التعرض لمشكلات صحية معينة، مثل الفشل الكلوي الحاد، أو التهاب الكلية الحاد، أو اضطرابات في الغدد، فبلوغ هذه المشاكل مرحلة الذروة يقود إلى إلحاق الضرر بالدماغ وبالتالي إلى حصول الغيبوبة. - التسممات بالرصاص وأول أوكسيد الكربون والأدوية. وقد تنتهي الغيبوبة بمضاعفات تهدد الحياة، وكلما طالت مدة الغيبوبة ازداد خطر المضاعفات التي تشمل الجلطة الرئوية، والتهاب الرئة، واختلال نبض القلب، وضعف العضلات، وتدهور المناعة في الجسم. وأحياناً قد يستفيق المصاب من عالم الغيبوبة على تراجع واضح في الملكات الفكرية والعقلية، خصوصاً على صعيد الذاكرة واتخاذ القرارات والقدرة على حل المشكلات. إن كل شخص داخل حالة اللاوعي يجب أن يخضع إلى مجموعة كاملة من الفحوص التي تسمح بتحديد السبب الفعلي للغيبوبة، لأن العلاج يعتمد في الدرجة الأولى على كشف هوية الفاعل، والمهم في الأمر هو توفير الظروف المناسبة للوصول بوظائف الدماغ إلى أفضل ما يمكن والمساعدة قدر الإمكان لعودة المريض إلى عالم اليقظة. أخيراً تبقى الغيبوبة المفتعلة التي يقوم بها الأطباء، وتتم من خلال إعطاء المريض جرعات دوائية معينة هدفها تخفيف العبء الواقع على الدماغ، والحفاظ على النسبة الطبيعية لاستهلاك الدماغ من الأوكسيجين، وتحسين فرص النجاة أو التعافي.