الغلوكوز هو السكر الرئيسي في دم الإنسان، والمصدر الأساس للطاقة لكل أنسجة الجسم من دون استثناء. وهو كذلك الغذاء الجوهري للخلايا الدماغية. الا ان مستوى سكر الغلوكوز في الدم يجب ان يبقى في حدود معينة تراوح بين 70 و 110 ملغ في كل 100 مليتر من الدم. وهناك منظومة هرمونية تعمل على تنظيم مستوى السكر من بينها هرمون الأنسولين الذي يتولى عملية خفض السكر، وهرمونات أخرى مضادة للأنسولين مثل الكورتيزون، والغلوكاغون، والأدرينالين، والتيروكسين، وهرمون النمو. قد يرتفع مستوى السكر في مجرى الدم بعد تناول وجبة غذائية غنية بالكربوهيدرات ليصل الى 150 مل في كل 100 ملم دم، وهذا الارتفاع فيزيولوجي لا يلبث ان يعود الى المعدل الطبيعي بعد مرور ساعتين الى 3 ساعات من تناول الطعام. أيضاً قد ينخفض مستوى السكر في الدم أثناء الصيام لمدة طويلة ليراوح بين 60 و 70 ملغ في كل 100 مليتر دم، وهذا بدورة يعتبر هبوطاً فيزيولوجياً لا غبار عليه. والارتفاع المفاجئ في مستوى السكر في الدم أو الإنخفاض الشديد فيه قد يسببان فقدان الوعي أو ما يعرف طبياً بالغيبوبة السكرية، ومن المهم جداً التعرف الى الغيبوبة السكرية وتشخيص نوعها من أجل تفاديها. تحصل غيبوبة ارتفاع السكر في الدم بسبب قلة هرمون الأنسولين أو انعدامه كلياً بحيث تعجز خلايا الجسم عن حرق السكر للحصول على الطاقة فتضطر مكرهة الى الاستنجاد بالدهون من أجل الحصول عليها فتنتج من استقلاب هذه الأخيرة مجموعة من الأحماض الكيتونية والأسيتون السامة هي التي تدفع بصاحبها الى الغيبوبة. وسبب غيبوبة ارتفاع السكر يعود عادة الى إهمال علاج الداء السكري خصوصاً النوع الأول المعتمد على الأنسولين. وفي بعض الحالات قد تكون الغيبوبة الصورة الأولى التي تكشف عن وجود الإصابة بالداء السكري الصامتة. وهناك بعض العوامل التي يمكن أن تشجع على حدوث هذه الغيبوبة مثل الرشوحات، والأنفلونزا، والأمراض البكتيرية، مثل التهاب الرئة والقصبات وداء السل أو وجود تقيحات في مكان ما في الجسم، وتناول وجبة غذائية عارمة بالسكريات، والمغالاة في أكل الدهنيات على حساب النشويات، والضغوط النفسية، وفرط افراز هرمون الغدة الدرقية. وتتظاهر غيبوبة ارتفاع السكر باللوحة السريرية الآتية: - وجع شديد في البطن قد يثير الشك بوجود التهاب الزائدة الدودية. - غثيان وتقيؤ. - رائحة الأستونية منبعثة من الفم. - جفاف الجلد واللسان. - عطش. - زيادة معدل سرعة التنفس. - نبض سريع وضعيف جداً. - كثرة التبول. - انخفاض أرقام التوتر الشرياني. - غؤور العينين مع توسع الحدقتين. أما اللوحة السريرية لغيبوبة انخفاض السكر فتتباين من شخص الى آخر بحسب حدوث الانخفاض، فجائياً أو تدريجياً في الدم، ففي الانخفاض البسيط لسكر الدم يكون المريض مدركاً تماماً العوارض التي تداهمه نتيجة هبوط السكر، أما في الانخفاض الكبير فالمريض يدخل في عالم الغيبوبة من دون الشعور بالعوارض المنذرة، وفي شكل عام يمكن القول ان العلامات المنذرة التي تنبئ بقرب حصول عاصفة الغيبوبة هي الآتية: الصداع الشديد. الرجفة في الشفتين والتلعثم في الكلام. الإحساس بضربات القلب. تصبب العرق من الجسم. رطوبة الجلد. الجوع الشديد. قلة التركيز. العصبية والغضب. إن العوارض السابقة قد تكون مقدمة لدخول الشخص في مرحلة أكثر خطورة تتمثل في ظهور التشنجات والرعشة في الأطراف وبالتالي غياب الوعي. وتحدث غيبوبة انخفاض السكر في الدم دائماً نتيجة الاستعمال السيئ للعقاقير المخفضة للسكر الى جانب إهمال تناول بعض الوجبات، وإجراء تمارين رياضية غير مبرمجة، وتناول الكحول أو بعض الأدوية التي تقوي عمل الأدوية المخفضة للسكر، الأمر الذي يؤدي الى هبوط مستوى السكر الى ما دون 60 ملغ في كل 100 مليتر من الدم. كيف يتم تدبير الغيبوبة السكرية؟ قبل كل شيء يجب معرفة نوع الغيبوبة السكرية لأن العلاج يختلف، ومن اجل تحديد نوعها، يتم الاعتماد على العوارض السريرية المذكورة أعلاه إضافة الى إجراء التحاليل الدموية التي تبين وجود ارتفاعٍ أو هبوطٍ في مستوى السكر في الدم. ففي حال الغيبوبة بارتفاع السكر، يجب نقل المريض فوراً الى المستشفى واتخاذ الإجراءات الطبية اللازمة. أما في غيبوبة هبوط السكر فالعلاج سهل للغاية ونتائجه ممتازة إذ بوشر به على وجه السرعة، ويتم عادة بإعطاء المصاب المشروبات والمأكولات السكرية السريعة الامتصاص (شرط ان يكون المريض قادراً على البلع) مثل قطعة أو قطعتين من السكر أو بضع حبات من التمر، أو نصف كوب من أي شراب محلى بالسكر. في المقابل، إذا كان المصاب فاقداً الوعي وفي حال من التشنج، فيمنع منعاً باتاً مده بأي طعام او شراب، وانما يتم وضعه على أحد جنبيه لتفادي حدوث الاختناق ومن ثم نقله سريعاً الى أقرب مركز إسعافي حيث يجري التدبير العلاجي اما بإعطاء حقنة من هرمون الغلوكاكون المضاد لعمل الأنسولين، أو بتسريب محلول الدكستروز السكري في الوريد. ختاماً، تجدر الإشارة الى بعض الملاحظات: - ان الغيبوبة الناتجة من انخفاض السكر في الدم أخطر من زميلتها غيبوبة ارتفاع السكر خصوصاً اذا طال أمدها لفترة لساعات طويلة، لأن نقص السكر المديد يمكن أن يحدث تلفاً دائماً في خلايا الدماغ، لأن السكر هو مصدر الطاقة الأساسي لهذه الخلايا. - ان غيبوبة ارتفاع السكر الشديد في الدم هي واحدة من مضاعفات الداء السكري، وهي خطرة للغاية، اذ يمكن ان تقود الى الوفاة في 10 في المئة من الحالات، وتزيد هذه النسبة مرات عدة لدى المسنين. ويمكن الوقاية في شكل كبير من هذه الغيبوبة بمراقبة سكر الدم بانتظام وضبطه بأخذ العلاج المناسب وعدم التوقف عن تناوله بحجج واهية مثل عدم القدرة على الأكل، أو المعاناة من الحمى، أو الإصابة بمرض آخر كالرشح مثلاً. - ليس ارتفاع السكر الشديد او انخفاضه الشديد السببين الوحيدين للغيبوبة، فهناك أسباب كثيرة يمكن ان تقود الى عالم الغيبوبة، وهذه الأسباب قد تقع داخل المخ أو خارجه. [email protected]