يشهد لبنان حركة عربية استثنائية غير مسبوقة بعقد القمة الثلاثية السعودية – السورية – اللبنانية، بعد ظهر اليوم في القصر الرئاسي، والتي تليها مساء قمة ثنائية قطرية – لبنانية، بعد أن كان الوضع اللبناني المتأزم مدار بحث في القمة السعودية – المصرية أول من أمس، وفي القمة السعودية – السورية أمس، خلال الجولة العربية التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي ينتقل عصر اليوم من بيروت الى الأردن، المحطة الختامية منها. وإذ تعوّل الأوساط السياسية على القمة الثلاثية في لبنان من أجل ضمان تبريد التأزم الذي نجم عن «الحملة الاستباقية» التي شنها «حزب الله» على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، فإن المصادر التي تتبعت الاتصالات التي سبقت القمة أشارت الى أنها أعطت مفعولها لجهة وقف التجاذب الكلامي في شأن المحكمة بين الحزب وحلفائه من جهة وتيار «المستقبل» وحلفائه من جهة ثانية، بدليل تأجيل الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله خطابه في ذكرى المقاومة من اليوم الى الثلثاء المقبل، من دون أن يلغي ذلك استمرار قيادة الحزب في التحذير من صدور قرار ظني يتناول عناصر منه بالاتهام. واعتبرت أوساط عربية ولبنانية أن مجيء الرئيس الأسد في طائرة واحدة مع الملك السعودي من دمشق الى بيروت خطوة مهمة لم تكن لتتم لو لم يكن هناك من أمل بتحقيق نتائج تتعدى التهدئة التي أنتجتها اتصالات دمشقوالدوحة مع الحزب ونصائح الرياض لاحتواء التوتر الذي نجم عن التراشق الإعلامي حول المحكمة خلال الأسبوعين الماضيين. إلا أن مصادر متعددة قالت ل «الحياة» أمس أن المعطيات المتوافرة في شأن المعالجات التي قد تطرح في القمة الثلاثية غير واضحة المعالم، أو أن الفرقاء اللبنانيين لم يتبلغوا شيئاً عنها حتى الآن. ونفت هذه المصادر أن يكون «حزب الله» طرح مطالب من نوع أن تسحب الحكومة اللبنانية القضاة اللبنانيين في المحكمة أو أن تأخذ قراراً بعدم تعاون الأجهزة الأمنية والقضائية معها أو أن توقف دفع حصتها من تمويلها، مشيرة الى أن كل هذه الأمور طرحت في وسائل الإعلام فقط. وبينما اتفقت المصادر على أن الحزب طلب السعي عبر علاقات بعض الدول والفرقاء الى تأجيل صدور القرار الظني عن المحكمة بضعة أشهر أخرى ريثما تتضح الظروف الإقليمية، فإن مصادر معنية بالأمر قالت إن أوساط الحزب لا تعتبر تأخير القرار الظني حلاً لأنه يبقي سيفاً مسلطاً عليه، نافية أن يكون الأمر طُرح خلال أي اجتماع رسمي. وأعربت مصادر معنية بما يشاع عن المعالجات للخلاف حول المحكمة عن اعتقادها بأن من غير الوارد بالنسبة الى الرئيس الحريري أن يوافق على أي طلب يقوض عمل المحكمة، خصوصاً أنه أعلن قبل أسبوع أن لا مساومة على العدالة وأن طرح مطالب من هذا النوع أو من نوع تأخير القرار الظني يصطدم بمدى قدرة الأطراف المعنيين بالتجاوب معها على أن يلعبوا دوراً في تحقيقها، بمن فيهم أطراف القمة الثلاثية التي تُعقد اليوم في بيروت لأن الموضوع خارج إطار قدرة أي دولة على التأثير في موضوع المحكمة. وقد أعلن الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان مايكل وليامز أمس أن المحكمة كيان مستقل «ولا أعتقد أن أحداً يملك معلومات حولها». وقالت الناطقة باسم المحكمة فاطمة عيساوي إن «النتائج النهائية لعمل المحكمة وليس المزاعم التي لا أساس لها، هي الأساس الوحيد لتقويم مدى فاعليتها». وفي كل الأحوال، أنجز لبنان الرسمي أمس التحضيرات لعقد القمة الثلاثية. ورأى الحريري أن «زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس السوري الدكتور بشار الأسد لبنان تضفي استقراراً كبيراً في البلد بعد التشنجات الإقليمية». وقال الحريري في تصريح الى قناة «العربية» الفضائية إن هذه «الزيارة تأتي في إطار تقوية المبادرة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين في قمة الكويت الاقتصادية، لافتاً الى أنها تهدف أيضاً الى «العمل من أجل المصالحات العربية في وقت تمر به المنطقة بتشنجات إقليمية». من جهة اخرى، قال نائب الأمين العام ل «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم ان التغيير الحكومي ليس مطروحاً الآن في لبنان «لكن إذا حصلت تطورات بصدور القرار الظني سنكون أمام واقع قد يطرح فيه الموضوع». واضاف، في حديث الى قناة «العالم» الفضائية الايرانية إن دفاع «حزب الله» عن نفسه ضد القرار الظني «يمكن أن يصل الى كل ما يساعد على عدم إلباسه هذا الثوب وعدم جره الى ما يريدون مهما كان الثمن ومهما كانت التحركات... نحن نقول مع عدم وجود قرار ظني يتهم حزب الله الأمور تختلف عن وجود قرار. يعني إننا مقبلون على أمور نجهلها لكننا سنكون في موقع الدفاع مهما استلزم هذا الدفاع». واعتبر قاسم أن «المحكمة الدولية ومن وراءها وبعض مساعدي رئيس الحكومة سعد الحريري هم من يضعون الرجل اليوم في مأزق، لكن عليه كمسؤول أن يتصدى ويتخذ الموقف الصحيح فالفرصة متاحة للمعالجة ما دام القرار الظني لم يصدر بعد». من جهة أخرى علمت «الحياة» أن دعوة الرئاسة اللبنانية كبار المسؤولين والوزراء والنواب الى الغداء الذي يقيمه الرئيس ميشال سليمان على شرف الضيفين السعودي والسوري اليوم لن تشمل دعوة أعضاء «هيئة الحوار الوطني»، بحيث يستثنى رئيس حزب «القوات اللبنانية» من حضورها، وهو ما اعتبره المراقبون تجبناً لمصافحة بين جعجع وبين الرئيس الأسد. وقالت مصادر رسمية إنه في المقابل فإن جعجع سيدعى الى العشاء الذي يقيمه سليمان مساء اليوم على شرف أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة، باعتباره راعي اتفاق الدوحة الذي نص على إحياء هيئة للحوار.