تتناول الكاتبة هالة فؤاد في كتابها الجديد «الشوارع في الرواية المصرية» (سلسلة «كتاب اليوم»، دار «أخبار اليوم») التراث الأدبي الروائي المصري، فكثيرة هي الأماكن التي تناولتها الأعمال الأدبية وشكلت محوراً للأحداث فيها، وربما أصبحت أيضاً البطل الرئيس. وتستعيد فؤاد في كتابها أعمالاً أدبية عدة كان المكان فيها هو البطل مثل «زقاق المدق» لنجيب محفوظ، وتعد من أهم الأعمال التي لعب فيها المكان دوراً كبيراً لما له من تأثير طاغٍ. فهو كان بمثابة المركز أو المنطلق الذي تتولد فيه الشخصيات وتتفجر الأحداث. أما رواية «قنديل أم هاشم» رائعة الأديب يحيى حقي فهي تعكس مدى تأثير المكان على المبدع في نقل صورة واضحة لهذا الحي الشعبي العريق، وتتناول فيها قضية الصراع بين الشرق والغرب. وفي «عطفة خوخة» لمحمد جلال اختفت الأسطورة وظل للمكان سحره الخاص وهالة من الغموض تكتنف معالمه وتحرك الخيال وتدفعه الى نسج الأساطير والحكايات التي عبّر من خلالها عن الاستبداد والظلم اللذين مارسهما مركز القوى في الستينات من القرن الماضي. وفي رواية «بين أبو الريش وجنينة ياميش» يرصد الكاتب يوسف السباعي روح المكان من خلال الشخصيات التي تعيش فيه والمميزة له والتي قلما نجدها. وفي «نقطة النور» يرصد بهاء طاهر ملامح المكان في حي «السيدة زينب» وسحره الخاص وسمات أهله، فجاءت الصورة واقعية ونقلت بصدق معالم المكان وحياة الإنسان، فالمكان هو الذي يجذب أصحاب الخيال الحالمين فتتجلى فيهم روح الإبداع . أما نبيل راغب، فيقول في روايته «قلعة الكبش» إن للأماكن أسراراً لا تبوح بها إلا لمن يعشقها. فهناك كنوز من الحكايات والأحداث لا يكتشفها إلا من يغوص على أعماق تاريخها يبحث عن ماضي شوارعها وأزقتها. ولم يفت الكاتب يوسف القعيد أن يكتب عن عشقه لقريته الصغيرة «الضهرية» في شمال مصر من خلال روايته «يحدث في مصر الآن» ليؤكد أن لكل مبدع مكاناً أثيراً يهفو إليه قلبه وينشط فيه خياله، ويلعب دوراً كبيراً في تشكيل وجدانه وآرائه، فهو يثير خياله ويحرك مشاعره ويلهب أفكاره. الكتاب إذاً، جولة ترصد عبق المكان وأوجاع الإنسان وكيف تغير المكان والإنسان عبر السنوات التي مرت، لكنه في النهاية يضفي قدراً بسيطاً من الضوء على جمال المكان ومكنون الإنسان.