في غياب المسؤوليات الأسرية الناظمة للعلاقات بين الأهل وأبنائهم المراهقين، ثمة شعور ينتاب هؤلاء بأن آباءهم وأمهاتهم منشغلون عنهم بأمور حياتية أو مهنية، أو بتوترات عاطفية وزوجية، ما يجعلهم غير معنيين بشؤون أبنائهم وشجونهم كالاهتمام بمشاكلهم والتعرف على هواجسهم وميولهم ونزعاتهم المكشوفة والمكبوتة. وإلى ذلك يشعر هؤلاء الأبناء، على حداثة سنهم، وفي لحظة يأس، ربما، بأنهم قادرون على ملء ما يعتبرونه، فراغاً اسرياً، إذا ما قاموا بمغامرة «الهروب من المنزل العائلي» والبحث عن بديل آخر قد يجدون فيه ضالتهم المنشودة. وهذه الظاهرة الشاذة باتت لاستمرارها وارتفاع وتيرتها وتزايد المقدمين عليها، مثار قلق كبير في الأوساط الحكومية والرأي العام الكيبيكي والكندي. لدرجة انها «استدعت دق جرس الإنذار للمسؤولين بعدما تبين اخيراً هروب 13 مراهقاً بينهم سبع فتيات جرى اغتصابهن على ايدي عصابات الشوارع ومروّجي المخدرات وشبكات الاستغلال الجنسي»، وفقاً لوثيقة كشفتها بينا أوكومون المديرة العامة لمؤسسة «الولد العائد» في مونتريال. وتعتبر هذه المؤسسة احدى اهم المؤسسات المعنية بمتابعة ملف المراهقين الهاربين من منازلهم والمصدر الأساسي لكل المعلومات المتعلقة بهروب وعودة واختفاء المراهقين ولها صلات واسعة مع مكاتب الرعاية والخدمات الاجتماعية ووسائل الإعلام. وتكشف البيانات الصادرة عن المؤسسات الكندية الرسمية والأهلية المعنية بهروب المراهقين والمراهقات الذين تتراوح اعمارهم بين 12 و17 سنة، عن كم وافر من المعلومات منذ اللحظة التي قرروا فيها الخروج من المنزل الى دخولهم عالم الرذيلة بأبشع صورها. وتشير الى ان خروجهم كان طوعياً ومن دون ضغط او اكراه، وعن سابق تصور وتصميم وقد يكون ناجماً عن حالة صعبة او صدمة نفسية او يأس او ضياع او فشل ما، او محاولة لتحقيق الذات، او التخلص من الوحدة والعزلة او الاستجابة لحاجة مفقودة او لنزعة استقلالية متحررة من قيود عائلية. اما الأهل فيفاجأون غالباً بقرار ابنائهم ولا يملكون اية معلومات عن الجهة التي فروا اليها او المكان الذي يقيمون فيه. فينتابهم القلق على مصيرهم وتستبد بهم المخاوف وتساورهم الشكوك على حياتهم، وقد يشعرون في مثل هذه اللحظات المأساوية بوزر ما ارتكبوه بحق ابنائهم وبعقدة الذنب والندم على أي اخطاء او سوء معاملة وتقدير لاحتياجاتهم. وتشير ارقام مراكز الشباب في كيبك الى ان عدد المراهقين الهاربين من منازل ذويهم بين عامي 2012 و2016 بلغ 25.607 وأن نسبة المراهقات تزايدت في هذه الفترة من 39 في المئة الى 46 في المئة، وأن منطقة «لافال» وحدها وصلت، كما يقول استاذ الخدمات الاجتماعية في «جامعة لافال» ميشال دوريه، نسبة المراهقات الفارات من منازلهن، الى مستويات قياسية حوالى 50 في المئة. ويرى ان المعطيات المنشورة عن مراكز الشباب في كيبك تشير الى ان عام 2015 - 2016 كان الأعلى في استقبال المراهقين (من الجنسين) الهاربين من عائلاتهم (6677 الفاً مقابل 6497 للعام السابق) وأن نسبة الفتيات تزايدت بنحو 3 في المئة. ويلفت الى ان كل يوم في كيبك يشهد اختفاء اكثر من 25 مراهقاً حوالى 60 في المئة مهنم مراهقات (13- 15 سنة). ويؤكد ان غالبية المراهقين (حوالى 80 في المئة) يعودون اجمالاً الى منازلهم خلال 48 ساعة فيما يبقى حوالى 20 في المئة من البنات فترات اطول او قد يختفين في شكل نهائي. ويكشف برنارد مورييل استاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة مونتريال عن الدور السيء لبعض المشرفين على مراكز رعاية الشباب وإقدامهم على استغلال المراهقين وتسهيل انغماسهم في المخدرات والكحول والانتقال بهم من مدينة الى اخرى عبر مافيات الجنس وإصابة العديد منهم بفيروس الايدز وتشغيل الفتيات في «البارات والكباريهات» الليلية. وللحؤول دون تفاقم ظاهرة تسرب المراهقين من منازل ذويهم، كلفت الحكومة الكيبيكية مؤخراً الوزيرة لوسيان شاربونو تقديم مشروع قانون يقضي بإصدار تشريعات جديدة لحماية المراهقين والمراهقات الذين يترددون لسبب او لآخر على دور الرعاية الاجتماعية.