صاحبت ظاهرة تشجيع قطاع واسع من الجماهير الجزائرية لمنتخب البرتغال ضد نظيره الفرنسي في نهائي كأس أوروبا نكاية في فرنسا، والتي شملت حتى فرنسيين من أصول جزائرية، نقاشاً واسعاً خصوصاً أن البعض خرج إلى الشوارع في مظاهر احتفالية بانهزام فرنسا، فيما أطلق آخرون على صفحات فايسبوك وتويتر وسم # الشَح_في_فرنسا أو التشفي في فرنسا و#أنا_برتغال. ولم تخلُ صفحات رواد موقع فايسبوك من «هاشتاغات» وتعابير للشماتة بخسارة المنتخب الفرنسي, وكتبت «فغانسا» للسخرية، أو «فرنسا حزينة إذن بالضرورة أنا سعيد», و»شكراً يا برتغال على هذه اللحظات وهذه النشوة، أو مثلاً #الشح_في_فرنسا صباحكم برتغال». مناصرة الجزائريين للبرتغال على حساب فرنسا، ربطه البعض بالعلاقة التاريخية المتأزمة بين البلدين وما صاحب الاستعمار الفرنسي للجزائر، وربطه البعض الآخر بعنصرية الفرنسيين حيال الجزائريين خصوصاً بعد إقصاء نجم ريال مدريد كريم بن زيمة ذي الأصول الجزائرية من تشكيلة الديكة. في المقابل وجد كثيرون أن هذا السلوك يكشف عن «فصاماً»§ لمن ساندوا البرتغال وأظهروا كرههم لفرنسا في وقت يصطف كثيرون أمام السفارة الفرنسية للحصول على تأشيرة دخول ويحاول آخرون الوصول إليها بكل الطرق الشرعية وغير الشرعية، ويتداوى كثير منهم في مستشفياتها ويتبضع من محلاتها الشهيرة ويتعطر بعطورها. ويقول الدكتور نور الدين بكيس أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر في اتصال مع «الحياة» إن «المواطن الجزائري يتعرض منذ الطفولة لثقافة اجتماعية وسياسية مكثفة ضد المستعمر الفرنسي عبر مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية الرسمية وغير الرسمية تقوم بتعبئته ضد فرنسا ليصطدم المواطن لاحقاً بدرجة التبعية لها في مجالات عدة بما فيها الشأن السياسي والاقتصادي ما يولد لديه حالة اغتراب بين ما يجب أن يكون من عداء وبين ما هو كائن من تبعية». ويعرج الدكتور نور الدين بكيس إلى دور التلفزيونات الخاصة في الجزائر ومواقع التواصل الاجتماعي، التي توجه جزءاً من الرأي العام بحسبه، بخاصة بين الشباب. فهي فضاء خصب لتسويق أي فكرة ومنها مثلاً تمجيد الثورة وبطولاتها، بعيداً عن رقابة السلطة ومؤسسات الدولة ومواقفها المعلنة، ما يعطي أفكارهم مصداقية تساهم في توجيه الرأي العام ومنها ما شهدته الجزائر أخيراً من تشف بهزيمة المنتخب الفرنسي. ويقول بكيس: «كأن لسان حال من احتفل بهزيمة المنتخب الفرنسي يقول نريد أن نعيش شعور الانتصار ولو بإنجازات الآخرين». لكن وعلى رغم ارتباط قطاع لا بأس به من الجزائريين اقتصادياً وحتى ثقافياً بفرنسا، إلا أن كفة الجانب التاريخي هي التي لها الغلبة في تحديد العلاقة بين الطرفين. وكشفت المظاهر الاحتفالية الأخيرة، التي ضمت فرنسيين من أصول جزائرية سوء تقدير وقراءة وزير الخارجية الفرنسي الأسبق برنار كوشنير الذي أعلن في عز التوتر بين البلدين «أن العلاقات بين الشعبين والبلدين ستعرف مرحلة التطبيع بعد ذهاب جيل الثورة الذي يحمل ضغينة وكرهاً لفرنسا، لأن الجيل الجديد يحبها». ويقف الإعلامي الجزائري المقيم في باريس محمد بوشيبة في اتصال مع «الحياة» عند رد فعل الفرنسيين من وقوف الفرنكو-جزائريين ضدهم في المنافسة الكروية. فقد نقل بوشيبة رصد وسائل إعلام فرنسية قبول الفرنسيين بأن يشجع مواطنوهم من أصل برتغالي المنتخب البرتغالي لكنهم لا يتقبلون الأمر بالنسبة للجزائريين. وهو سؤال أجابت عنه بحسبه «راما ياد الكاتبة السابقة لشؤون الرياضة في الحكومة الفرنسية والتي رأت بأن آثار التاريخ الاستعماري لم تندمل بعد، إضافة إلى أن فرنسا لم تستطع حتى الآن تجاوز إشكال الهوية بالنسبة للجالية المسلمة والتي تعتبر الأكبر في أوروبا». ويورد بوشيبة على لسان الفرنكو-جزائريين غضبهم من استبعاد نجم ريال مدريد كريم بن زيمة من منتخب الديكة، غير مقتنعين بسيناريو الفضيحة الأخلاقية التي كانت سبباً لإبعاده من صفوف المنتخب الفرنسي، بل ربطوها بحقيقة عنصرية الفرنسيين ضد العرب وبخاصة المتحدرين من أصول جزائرية، هذه العنصرية التي تعد من أبرز مشاكل اندماج العرب والمسلمين في المجتمع الفرنسي.